مرة أخرى.. جشع ارتفاع الأسعار في شهر رمضان!!

مرة أخرى ... جشع ارتفاع الأسعار في شهر رمضان!!
عقل أبو قرع
02 أبريل 2022

يحل شهر رمضان، ومرة أخرى وكما حدث خلال الأعوام الماضية، وبصرف النظر عن الأسباب، ترتفع أسعار بعض السلع بشكل كبير، ومنها الأطعمة المختلفة، من لحوم حمراء وبيضاء، وخضراوات وفواكه، وحلويات ومشروبات مختلفة، وأطعمة مجمدة ومصنعة وغير ذلك من المنتجات، ومع ازدياد الإقبال أو الطلب من قبل الناس خاصة في بداية شهر رمضان، يتواصل ارتفاع الأسعار وربما يزداد، وبالنسبة لغالبية العائلات الفلسطينية، فهذه أوضاع مؤلمة محزنة تتكرر عاما بعد الآخر، سواء لمناسبة شهر رمضان أو غيره من المناسبات، في ظل عدم وجود خطة رسمية للتعامل مع هذه الأوضاع، أو مظلة اجتماعية توفر نوعا من الحماية والأمان الحقيقي والكريم.

وارتفاع الأسعار مع بداية شهر رمضان له مضاعفات عديدة بالإضافة إلى إرهاق الناس، حيث مع ارتفاع الأسعار يلجأ الناس إلى الإقبال على الأطعمة الأرخص، أو بمعنى آخر الأقل جودة، أو الملوثة، أو ربما الفاسدة أو غير الصالحة أو الرديئة وما يجره ذلك من تبعات وآثار قد تكون بعيدة المدى، وهذا بدوره يدعو الجهات المسؤولة لإيلاء الاهتمام بالعلاقة بين ارتفاع الأسعار وبين انتشار الأطعمة الرديئة، خاصة في شهر رمضان.

ومع بداية شهر رمضان، المطلوب العمل على زيادة نجاعة الجهات التي تراقب وتفتش، من حيث العدد والنوعية والتدريب، حيث من المتوقع أن تتم زيادة طاقمها أو زيادة إمكانياتها  وتدريبها وإعدادها، كي تكون قادرة على القيام بدور اكبر، مع العلم أن وصول المنتجات الفاسدة إلى السوق الفلسطينية ومن ثم إلى المستهلك ينتج عنه خسائر اقتصادية، يمكن أن تفوق ما سوف يتم استثماره في إعداد المزيد من طواقم.

وارتفاع الأسعار وبجشع ربما لم يشعر به الجميع بعد، هناك عائلات كثيرة، ربما تكون خفضت استهلاكها اليومي من سلع أساسية، بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، وخصوصا سلعا حيوية مثل القمح أو الطحين والخبز والأرز والزيت والدجاج والعديد من السلع المرتبطة بشكل أو بآخر بذلك، والتي تضاعفت أسعار بعضها أو تكاد في الأيام الأخيرة، ورغم الحجج التي تبرر ارتفاع الأسعار، والتي اعتدنا عليها في الماضي، إلا وهي ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية واقتصاد السوق، إلا أن الجشع والطمع والاستغلال هي من الأسباب الأخرى، حيث تفوق الأسعار عندنا تلك التي في دول غنية أو متقدمة عديدة.

ومهما كانت المبررات والتفسيرات لارتفاع الأسعار، إلا أن الوضع وفي هذه الصورة وهذه الأحوال، لا يمكن تحمله بالنسبة للمستهلك، واصبح يتطلب تدخلا مباشرا وجديا ومتابعة ومحاسبة ومراقبة من الهيئات المختصة، لأسعار السوق، وبالأخص للأسعار الاسترشادية، التي تعلن عنها وزارة الاقتصاد، بين الفينة والأخرى، والأمر يتطلب التطبيق الحازم للقوانين، وبشكل علني، ونحن نعلم أن غالبية العمال في بلادنا، لا تتجاوز الأجرة اليومية لهم اكثر من 80 شيكلا في اليوم، أي لا تصل إلى ثمن كيلوغرام من لحم الخروف، أما الأجرة اليومية لمعظم العاملات الفلسطينيات، فهي لا تبلغ الحد الأدنى للأجور، ولا تتجاوز الـ 50 شيكلا في اليوم، أي لا تصل إلى ثمن كيلوغرام من لحم العجل أو البقر.

 

ومهما تحدثنا عن اقتصاد السوق، وعن فلسفة أو نظرية العرض والطلب، وعن التقلبات الجوية، وعن الظروف السياسية، وعن المعابر والحدود، وما إلى ذلك، من أمور يمكن أن تساهم في ارتفاع الأسعار، إلا انه لا يعقل أن تضاهي الأسعار عندنا أو تزيد بكثير عن الأسعار في الكثير من الدول، التي يبلغ دخل الفرد السنوي فيها، أضعاف أضعاف ما عندنا.

وهذا يتطلب تغييرا جذريا وجديا في سياسة الجهات الرسمية، وهذا يتطلب المراقبة الجدية، وهذا يتطلب المحاسبة الصارمة لجشع بعض التجار، وهذا يتطلب التدخل الرسمي الجدي لإيقاف شبح ارتفاع الأسعار، والذي بات يرهق ويقلق الجميع، ونحن نعرف أن نسبة الفقر في بلادنا تصل إلى حوالي 25%، وان نسبة البطالة تصل إلى حوالي 27% من الأيادي العاملة، وتواصل الازدياد عاما بعد الآخر.

ونحتاج كذلك إلى وضع برنامج منظم ومتكامل من أجل سحب عينات عشوائية من الأطعمة وإجراء الفحوصات الروتينية لها في مختبرات فلسطينية تم اعتمادها وتم التأكد ومن خلال مختصين علميين بإمكانياتها، سواء طاقمها أو أجهزتها أو خبرتها، للقيام، بهذه الفحوصات. وأن يتم اتخاذ الإجراءات المطلوبة ومنها القضائية بحق من يروج أو من يتعامل مع الأطعمة الفاسدة، وان يتم تطبيق القوانين الفلسطينية وبحزم وعلى الملأ وخاصة على الجهات التي تسوق المنتجات الفاسدة وبأنواعها.
ودون شك، أن من اهم الأسباب لارتفاع الأسعار، هو الجشع لدى بعض التجار أو الموردين وبالأخص مع قدوم شهر رمضان، وإذا سألت احد التجار مثلا، عن سبب ارتفاع أسعار اللحوم، فيكون الجواب: بسبب قلة العرض، أي قلة اللحم، ولكن هل يعقل أن يرتفع السعر بشكل فجائي، أي هل يعقل، ألا يملك التجار كمية من العجول أو اللحوم، في الثلاجات أو في المسالخ، تكفي لأيام أو لأسابيع، وكانوا حصلوا عليها بالسعر القديم، وهل يعقل ألا تملك الجهات الرسمية، خطة أو برنامجا لتوفير كمية من لحوم العجل مثلا، لأسابيع أو لأيام أو لشهر رمضان.

ومع كل ارتفاع جديد في الأسعار، يبدأ الاهتمام بالمستهلك وحقوقه واحتياجاته يحتل العناوين في وسائل الإعلام، حيث يبدو أن هذا الاهتمام لا يأخذ الحيز المطلوب إلا إذا حدث الارتفاع ويزداد مع ازدياد حدة الارتفاع، وهذا الاهتمام سواء أكان من المسؤولين الرسميين او غير الرسميين، او من العديد من الأشخاص والهيئات، فإنه في العادة لا يحمل الجديد للمستهلك الذي اعتاد على مثل شعارات كهذه، والذي بات يدرك أن كل الدعوات السابقة وحملات التفتيش على الأسعار وعلى المنتجات، لا تحقق ما يتم الحديث عنه او التصريح به، والذي يبقى في المحصلة شعارات إعلامية فقط.

ورغم صدور قائمة الأسعار الاسترشادية، إلا أن غياب إشهار الأسعار او إظهارها على السلعة، سواء في حسبة الخضار او في المحلات التجارية، وعدم فعالية حملات التفتيش والرقابة وذلك لعدم كفاية الطواقم او قلة الإمكانيات، وكذلك ضعف ردع القوانين وعدم تطبيق قانون حماية المستهلك الفلسطيني لعام 2005 في هذا الصدد، سوف تبقى الأسعار ترتفع حسب شهية بعض غير المبالين، وحسب مزاج او مستوى جشع التاجر او المزارع او المورد، والذي سيدفع الثمن خلال شهر رمضان او خلال غيره من الأشهر، هو المستهلك الفلسطيني وأفراد عائلته.

وفي خضم الأوضاع الصعبة التي يعيشها الناس في بلادنا، ومع حلول شهر رمضان الفضيل،  فالمطلوب إعادة دراسة سياسة الجهات الرسمية، وبشكل جدي، فيما يتعلق بسياسة تحديد ومراقبة ومتابعة الأسعار، وبما أن حماية المستهلك من المفترض ان تكون هي الهدف النهائي لكافة الأطراف الفعالة في هذا المجال، فمن المنطق والواجب والأهمية وجود آلية واضحة للتعاون والتنسيق لحماية هذا المستهلك، وبالأخص هذه الأيام، ليس فقط من شبح ارتفاع الأسعار المتواصل، ولكن كذلك فيما يتعلق بسلامة الغذاء بأنواعه، وجودة المياه، وتوفر نوعية وفعالية الدواء، وما إلى ذلك من أمور تمس الحياة اليومية للمواطن.

وبالإضافة إلى نوعية وفعالية القوانين، والى ضعف الرقابة والمتابعة، فإن المستهلك نفسه هو كذلك مسؤول ولو بشكل غير مباشر عن ارتفاع الأسعار، لأن بإمكانه ان يلعب دورا مهما وبشكل عفوي وغير مباشر في التحكم بالأسعار، وهذه نقطة مهمة لتبيان لماذا ترتفع الأسعار وبشكل كبير في أوقات معينة، وفي هذه الأيام مثلا، وبالتالي فإن إقبال المستهلك وبشكل غير عقلاني على الشراء بسبب الخوف من مواصلة ارتفاع الأسعار، هذا الإقبال يفتح شهية التاجر، سواء أكان تاجر الجملة أي المزود او صاحب المحل على رفع الأسعار بشكل كبير وغير مبرر وغير مسؤول.

وفي خضم هذا الوضع المقلق بل والمحزن للكثيرين، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي نحيا فيها، وفي ظل التخبط بأنواعه الذي اصبح جزءا من حياتنا اليومية، وإن تواصل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار وتوسع كما يعتقد البعض خلال شهر رمضان، ودون تدخل فاعل وحازم من الجهات ذات العلاقة، بدعوى الحفاظ على مبادئ اقتصاد السوق، فإن هذا الوضع الصعب ستكون له تداعيات خطرة من اليأس والبطالة.

 

المصدر: صحيفة الأيام

ي.ك