في 22 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي لقطات فيديو لوحدة “ماجلان” وهي تستخدم قذيفة هاون جديدة عالية الدقة، أطلقت عليها “اللدغة الحديدية” (Iron Sting)، في قصفها للمدنيين داخل قطاع غزة. هذه القذائف أعلنت عنها شركة “أنظمة إلبيط” (Elbit Systems) الإسرائيلية منذ مارس/آذار عام 2021، لكنها استُخدمت للمرة الأولى في الحرب الدائرة حاليا على قطاع غزة، وفقا لما ذكرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” الإسرائيلية (1).
تستخدم فرق المشاة قذائف الهاون عادة في مناطق القتال، كما تستخدمها كتائب القسام نفسها ضد جنود الاحتلال، لكن دقة قذائف الهاون العادية تظل منخفضة إلى حدٍّ ما، ما يتطلب استخدام أعداد كبيرة منها، وهنا تأتي قيمة هذه القذائف المتطورة التي تذكر الشركة أنها صُممت للاشتباك مع “أهداف ثابتة بدرجة عالية من الدقة، باستخدام التوجيه بالليزر أو بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS)”.
تلك القذيفة المتطورة هي فقط أحد الأسلحة الجديدة التي تستخدمها إسرائيل في حربها الطاحنة على غزة الآن، ولكنها ليست السلاح الجديد الوحيد الذي تجربه في الحرب الحالية، والواقع أن دولة الاحتلال طالما لجأت إلى تجريب الأسلحة الجديدة في حروبها على الأبرياء العُزّل في غزة وغيرها.
طائرات بالذكاء الاصطناعي
أشار تقرير في صحيفة “بوليتيكو” (2) إلى أنه بعد ساعات من هجوم “طوفان الأقصى”، سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مراسلة شركة “سكايديو” (Skydio)، وهي شركة تقنية أميركية تعمل في إنتاج المسيرات، وطلب منها توريد طائرات استطلاع قصيرة المدى تعتمد في تحركها على الذكاء الاصطناعي دون الحاجة إلى توجيه بشري، وتُستخدم في إجراء مسح ثلاثي الأبعاد للهياكل الهندسية المعقدة مثل المباني بمختلف أنواعها.
في غضون الأسابيع الثلاثة بعد “طوفان الأقصى”، أرسلت الشركة الأميركية أكثر من 100 مسيرة جديدة من هذا النوع إلى جيش الاحتلال، مع وعد بإرسال المزيد في المستقبل وفقا لمارك فالنتين، المدير التنفيذي المسؤول عن التعاقدات الحكومية في الشركة. بيد أن “سكايديو” لم تكن الشركة الأميركية الوحيدة التي تتلقى طلبات من جيش الاحتلال لإرسال هذا النوع من الطائرات، فوفقا للصحيفة الأميركية، فإن حرب غزة خلقت طلبا على تلك التقنيات العسكرية المتطورة، التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وتوفرها شركات تقنية صغيرة الحجم نسيبا.
كل ذلك يأتي في الحين الذي يستخدم فيه جيش الاحتلال بالفعل طائرات ذاتية القيادة من شركة “شيلد إيه آي” (ShieldAI) الأميركية، وهي طائرات “نوفا 2” (Nova2)، لكن هذا النوع من المسيرات يُستخدم داخل المباني فقط، إذ يعتمد على تخطيط المسارات وخوارزميات الرؤية الحاسوبية للتحرك ذاتيا داخل المباني بدون الحاجة إلى نظام “جي بي إس” (GPS) أو للتوجيه البشري (3).
كما أشارت تقارير أخرى إلى أن إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة شراء 200 مسيّرة انتحارية من طراز “سويتش بليد 600” (Switchblade 600)، وهي طائرات تمتلك كاميرا متطورة ويمكنها حمل كمية من المواد المتفجرة، ولديها القدرة على استقبال المعلومات من الطائرات بدون طيار القريبة منها (4). تُستخدم “سويتش بيلد 600” في الأساس لمهاجمة الأهداف القريبة، ويصل مدى هذا النموذج إلى 40 كيلومترا، وقدرة على الطيران لمدة 40 دقيقة، وهي الطائرات نفسها التي كان قد وفّرها الجيش الأميركي لأوكرانيا العام الماضي في حربها ضد روسيا.
قصف بالخوارزميات
لا يقتصر استخدام الجيش الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي على هذه المسيرات الحديثة فحسب، بل يستفيد منه في تحديد الأهداف على الأرض عند القصف. بعد الحرب على غزة في مايو/أيار عام 2021، ذكر المسؤولون أن إسرائيل خاضت “حربها الأولى في مجال الذكاء الاصطناعي”، لكن الحرب الحالية أتاحت الفرصة لجيش الاحتلال لاستخدام هذه التقنيات في مسرح عمليات أوسع كثيرا من المرة السابقة، وخاصة فيما يتعلق بمنصة تحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعي المعروفة باسم “جوسبل” (The Gospel).
يستخدم جيش الاحتلال “جوسبل” في تقدير عدد الضحايا المدنيين في القصف، واقتراح الأهداف الأكثر صلة بالهجوم داخل محيط معين، وحساب كمية الذخيرة اللازمة. وتُعَدُّ هذه الخوارزميات إحدى أكثر طرق القصف تدميرا وفتكا في القرن الحادي والعشرين، وفقا لتقرير صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية (5).
نقلت الصحيفة عن وسائل إعلام إسرائيلية أن استخدام هذه الحلول التقنية يفسر كيف تمكن الجيش الإسرائيلي من قصف قطاع غزة بهذه الوتيرة المحمومة، فبحسب أرقام جيش الاحتلال، قُصِف 15 ألف موقع خلال الـ35 يوما الأولى من الحرب على القطاع، واعترف بأن خوارزمية “جوسبل” سمحت له تلقائيا بتحديد الأهداف بوتيرة سريعة. كما ذكرت أن جيش الاحتلال قال إن خوارزمية “جوسبل” تسجل 100 هدف يوميا للقصف، في حين كان الجيش يضع 50 هدفا سنويا في غزة لقصفهم، ووصف ضباط سابقون بالجيش الخوارزمية بأنها “مصنع اغتيالات جماعية”.
يعتمد نظام “جوسبل” على معلومات وصور من الطائرات المسيّرة والمعلومات القادمة من اعتراض الاتصالات، كما يستخدم بيانات أبراج المراقبة لرصد تحركات الأفراد المستهدفين، ثم يعطي إرشادات لأهداف يجب مهاجمتها، مع بيان حول عدد الأشخاص المحتمل قتلهم في القصف.
وفي منتصف يونيو/حزيران الماضي، أوضح مسؤول إسرائيلي لوكالة “بلومبيرغ” الأميركية أنه يجري استخدام نموذجين لبناء مجموعة بيانات تعتمد على خوارزميات بشأن الأهداف المحددة، بهدف حساب كمية الذخيرة المحتملة وتحديد أولويات وتعيين آلاف الأهداف للطائرات، واقتراح جدول زمني للغارات (6). وبحسب المسؤول نفسه فإن تلك الأنظمة تخضع لمُشغِّل بشري يتولى فحص الأهداف وخطط الغارات الجوية والموافقة عليها، ومن اللافت أن البرنامج لا يأخذ القرار بنفسه، بل يتركه لقائد الوحدة الذي يضغط زر التدمير بعد أن تصله قائمة الأهداف.
أسلحة جديدة للتدمير
ذكرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” أيضا أن عدة أسلحة جديدة، تخص سلاح المشاة تحديدا، تُختبر في الاجتياح البري لقطاع غزة، وجزءا من دعم الإدارة الأميركية المستمر لإسرائيل، أرسل البنتاغون إلى الاحتلال صاروخين جديدين من الصواريخ المحمولة على الكتف وهما “ليو” (Leo) و”إم جي إم -1 ماتادور” (MGM-1 Matador). ستدخل تلك الصواريخ الجديدة ضمن الترسانة الحالية لكتائب المشاة المشاركة في الغزو البري لقطاع غزة، وهي أكبر بنسبة 50% من الصواريخ المتاحة حاليا لدى جيش الاحتلال، وتملك نطاقا أوسع للتدمير (7).
كما أشارت الصحيفة إلى أن قوات المشاة بدأت في استخدام النسخة الأحدث من المدفع الرشاش “آي دبليو آي نقب 7” (IWI Negev 7) في الحرب على قطاع غزة، وهو سلاح من إنتاج شركة صناعات السلاح الإسرائيلية (آي دبليو آي)، ويستخدم رصاصة بقُطر 7.62 ملم مما يمنحه قوة أكبر في اختراق الجدران.
وذكرت الصحيفة أيضا استخدام جيش الاحتلال تقنيات جديدة للرؤية الليلية لأول مرة في الحرب عبر استخدام جهاز الرؤية الليلية الجديد (IDO)، وهو جهاز يقدم صورة ثلاثية الأبعاد ويسهل استخدامه لفترات زمنية طويلة. يمكن تثبيت الجهاز بسهولة على الجزء الأمامي من الخوذة، ويساعد على الرؤية الليلية بعين واحدة أو بكلتا العينين.
في عام 2019، بدأ جيش الاحتلال باستخدام منظار ذكي على الأسلحة أطلق عليه اسم “الخنجر” (Dagger)، وخلال الحرب الحالية بدأ استخدام الجيل الثالث من هذا المنظار للمرة الأولى، ومن المفترض أنه يملك نظاما متطورا يستخدم أجهزة استشعار كهروضوئية ويعالج الصور بالذكاء الاصطناعي لتتبع الأهداف بدقة. كما استخدم الجيش الإسرائيلي لأول مرة حاملة الجند “إيتان” للعمل بصحبة المدرعات الإسرائيلية مثل “نمر”، وإيتان هي مركبة قتال مدرعة تعتمد على التقنيات المستخدمة في سلسلة دبابات “ميركافا” ومركبات المشاة القتالية المدرعة “نمر”، وهي نسخة مطورة حديثا (8).
تملك مركبة إيتان 8 عجلات، وهي أخف بكثير من المدرعة “نمر”، وأرخص منها في التكلفة بفارق كبير، وربما استُخدمت بسبب التكلفة المرتفعة لاستخدام “نمر” ونجاح قوات المقاومة في تدميرها بمعدلات مرتفعة غير مسبوقة أثناء الغزو البري، ما ضغط على تكلفة الحرب في غزة بالنسبة لإسرائيل.
تحاول إسرائيل إخراج كل ما بجعبتها في هذه المواجهة، وتستخدم أحدث ما في ترسانتها وترسانة حلفائها من أسلحة حديثة ومتطورة، لكن رغم كل هذه الأسلحة، وفي حرب إبادة ضد أطفال ونساء وشيوخ ورجال غزة، فإن جيش الاحتلال لم يتمكن حتى الآن من إنجاز أي أهداف حقيقية تُذكر من وراء تلك الحرب. والأهم أن المقاومة الفلسطينية تقف في وجه كل تلك التقنيات ببسالة وشجاعة منقطعة النظير، لتؤكد للجميع أن التطور والأسلحة لا تنتصر في الحروب وحدها، الأهم هو الإنسان الذي يستخدم تلك الأسلحة.