في الأوضاع الفلسطينية الحالية هناك حاجة ماسة للتعاضد والتكافل والعمل المشترك، وليس ذلك وحسب، ولكن بناء نوع من الثقة والشعور بالمصلحة العامة أو الجماعية التي افتقدناها وبقوة خلال السنوات الماضية، فالواقع الفلسطيني الحالي مشتت وغير واضح في كل الجوانب والساحات، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً، والتغيرات التي حدثت خلال السنوات الماضية في المجتمع الفلسطيني، والتحولات في التفكير والثقافة والعلاقات بين الناس وحتى تبدّل الأهداف.
وهناك ظهور طبقات أو فئات أو تكتلات ذات نزعات فردية خاصة وسطوتها على المشهد وبقوه، وما إلى ذلك من تداعيات وتصدعات وتخبطات، تجعل المواطن الفلسطيني والمجتمع الفلسطيني بشكل عام، يحن وبشدة إلى تلك الأيام قبل عشرين عاماً أو أكثر، التي كان التعاضد والتكافل والعمل الجماعي والثقة تتجلى بوضوح بين الأفراد وفي التجمعات، وبشكل أوضح يحن إلى ذلك النوع من الرأسمال النادر الذي يفتقده حاليا، ألا وهو رأس المال الاجتماعي.
❞
وقوة رأس المال الاجتماعي، أو مستوى الثقة بين الأفراد والتجمعات المختلفة من حكومية أو أهلية أو من غيرها، أو بين التجمعات والتجمعات الأخرى، من أجل المصلحة العامة، هي من أهم سمات المجتمع الصحي الذي يعمل معا، وبالأخص في أوقات الأزمات، وبأنواعها المختلفة، التي تمر بها العديد من المجتمعات ومنها بلادنا، ومثال الصين في نجاحها في احتواء أزمة «كورونا» قبل أكثر من عامين، والقدرة على الأقل في وقف انتشار فيروس سريع الانتشار مثل كورونا، في تجمع لا يقل عن 100 مليون شخص وفي بلد يحوي حوالى 1400 مليون إنسان، لهو دليل قاطع على مدى أهمية وجود الثقة والتزام بين الناس وبين المؤسسات المختلفة، وأهمية وجود تكافل وتعاضد وعمل جماعي متكامل من أجل النجاح في عبور الأزمات.
❝
وفي بلدنا، كان رأس المال الاجتماعي، أو التعاضد في أوجه قوته ونتائجه خلال أزمات أو أحداث مر بها مجتمعنا، ومن أهمها الانتفاضة الأولى بكل مراحلها، وكان التعاون والعمل الجماعي، والالتزام وتطبيق الإجراءات والتعليمات في أقوى المستويات، وهذا ربما كان السبب الأهم في تحقيق النتائج والأهداف المتوخاة.
ورغم أن قوة هذا الرأسمال قد خبت أو تضاءلت أو حتى اختفت خلال مراحل مختلفة في بلادنا، ولأسباب مختلفة، وحتى في ظل أزمات وتطورات كبيرة، إلا أن الأسس ما زالت موجوده للعودة وبقوه إلى استعمال قوة الرأسمال الاجتماعي في تجاوز أزمات وتحقيق إنجازات، وفي عودة الثقة والتكافل الاجتماعي بين الأفراد أو الشرائح المختلفة في المجتمع، وهذا ما نحتاجه وبشدة هذه الأيام.
ومع مواصلة انسداد الآفاق هذه الأيام، والإحباط الذي ينتاب الناس من ما يشاهدونه أو يعايشونه هنا أو هناك، فإن من أهم أسس تخطي الأزمات أو المعضلات هو العمل الجماعي من أجل المصلحة العامه، سواء على صعيد التكتلات العامة أو من خلال فئات محددة تتكاتف أو تلتقي من خلال روابط الثقة والشعور العام، مثل فئات الشباب أو النساء أو التجمعات المهنية أو ما إلى ذلك، للعمل معاً ولو من خلال مبادرات صغيرة محدده، أملاً في تغيير مفاهيم حالية، أو بالأحرى العودة إلى مفاهيم سابقة مشرقة أوجدت نتائج إيجابية لصالح المجتمع الفلسطيني، وتم من خلالها تجاوز أزمات كانت أو كادت أن تعصف بنا، ودون شك فالنجاح في تجاوز الأزمات الحالية التي نمر بها لن يكون إلا بتعاون الناس معاً من أجل المصلحة العامة، وفي التزام الناس معاً من خلال بناء الثقة، وهذه هي قوة « رأس المال الاجتماعي» التي يسعى إليها العديد من المجتمعات.
المصدر: صحيفة الأيام
ي.ك