يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الوحشي وحرب الإبادة على محافظة شمال قطاع غزة، لليوم السادس والعشرين على التوالي، وسط قصف وإعدام ميداني، ونسف للمنازل وتدمير للخدمات الأساسية، ومنع دخول الغذاء والماء والدواء، ما أسفر عن استشهاد نحو 1000 مواطن ومئات الجرحى.
ويأتي ذلك في إطار مساعي الاحتلال لإفراغ محافظة الشمال من سكانها، الذين رفضوا الاستجابة لإنذارات الإخلاء.
ويعدم الاحتلال في بلدة جباليا ومخيمها وبيت لاهيا، أي مظاهر للحياة في المنطقة، إذ دمر أحياء سكنية كاملة، تحت قصف دموي مكثف وحصار مطبق يمنع دخول الغذاء والماء والأدوية.
كما جرى إخراج المنظومتين الصحية والإغاثية عن الخدمة تماما، وتعطيل آبار المياه والمرافق الحياتية كاملة، ضمن سلسلة جرائم متواصلة.
وبعد اجتياحين في ديسمبر/ كانون الأول 2023 ومايو/ أيار 2024، فإن هذه هي المرة الثالثة التي يجتاح فيها جيش الاحتلال جباليا منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة قبل أكثر من عام.
ووصفت مدينة بيت لاهيا في شمال القطاع، بالمدينة المنكوبة جراء حرب الإبادة الجماعية والحصار الذي يفرضه الاحتلال، وأطلقت “نداء استغاثة عاجلا” يتضمن 5 مطالب لـ”إنقاذ ما يمكن إنقاذه“.
ويعاني سكان المدينة من كارثة إنسانية، نتيجة حرب الإبادة المستمرة والحصار المفروض على المدينة، إذ أصبحت بلا طعام وبلا مياه وبلا مستشفيات وبلا إسعافات وبلا دفاع مدني وبلا أطباء وبلا خدمات (صرف صحي ونفايات) وبلا اتصالات.
ويطالب المواطنون، المجتمع الدولي والمنظمات الدولية والإنسانية، بالضغط على الاحتلال لوقف الإبادة الجماعية في مدينة بيت لاهيا، وفتح ممر آمن لإدخال كافة المستلزمات الطبية والغذائية والوقود لإنقاذ المنظومة الصحية والخدماتية، وإدخال معدات الدفاع المدني والإسعافات للعمل على انتشال الشهداء والمصابين من تحت الأنقاض، لا سيما بعد ارتكاب الاحتلال لعدد من المجازر بحق المواطن، وإدخال الوقود اللازم لتشغيل آبار المياه ومحطات التحلية ومضخات الصرف الصحي، وكذلك إدخال الآليات الثقيلة لفتح الطرق وإزالة الركام، لتسهيل حركة المواطنين وسيارات الإسعاف والدفاع المدني.
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، محنة المواطنين المحاصرين في شمال غزة بأنها لا تُطاق، بسبب الإبادة الجماعية التي تستمر إسرائيل في ارتكابها.
وأعرب عن صدمته إزاء المستويات المروعة للموت والإصابات والتدمير في شمال غزة، مشددا على أن الجهود المتكررة لتوصيل الإمدادات الإنسانية اللازمة للبقاء على قيد الحياة- من غذاء ودواء ومأوى- ما زالت تواجه بالرفض من السلطات الإسرائيلية باستثناءات قليلة، بما يضع عددا لا يُحصى من الأرواح في خطر.
وأكد أن تأجيل المرحلة الأخيرة من حملة التطعيم ضد شلل الأطفال في شمال غزة يُعرّض حياة آلاف الأطفال للخطر.
ولفت إلى أن الدمار الواسع والحرمان الناجمين عن العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة، يجعلان ظروف الحياة غير محتملة للسكان الفلسطينيين هناك.
بدوره، حذر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، من احتمال أن تؤدي هجمات قوات الاحتلال الإسرائيلي والقيود التي تفرضها والتهجير القسري الذي تمارسه شمال قطاع غزة، إلى “إنهاء الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة”.
وأضاف أن الحياة أصبحت “مستحيلة” بالنسبة للمدنيين المحاصرين في شمال غزة، وأن الكثير من السكان على حافة المجاعة بسبب النزوح القسري المتكرر، والقيود الشديدة المفروضة على الوصول إلى إمدادات المساعدات الإنسانية الأساسية.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال تواصل قصف المنطقة ومهاجمتها بوحشية، لا سيما مخيم جباليا للاجئين وما حوله.
وأكد قيام قوات الاحتلال بتجريد العديد من المواطنين من ممتلكاتهم قبل حلول فصل الشتاء وتدمير المنازل والمدارس التي تستخدم كملاجئ.
وفي مساء 5 أكتوبر الجاري، تسللت قوات خاصة إسرائيلية، وطوّقت جباليا ومخيمها من جهتي الشرق والغرب، تزامنا مع عشرات الغارات الجوية والأحزمة النارية.
وفي اليوم التالي، استفاق المواطنون في شمال غزة صباح اليوم التالي على منشورات ألقتها مُسيرات الاحتلال تنذرهم بالنزوح إلى ما زعمت أنها “منطقة إنسانية” في مواصي خان يونس جنوب القطاع.
غير أن جيش الاحتلال لم يمهل المواطنين فترة كافية للنزوح، فسرعان ما أغلق الشوارع الواصلة بين محافظة شمال غزة ومدينة غزة، عبر تدمير بنايات سكنية وإغلاق الطرق بركامها.
كذلك استهدف النازحين في تلك الطرق بنيران وقذائف فاستشهد العديد منهم، وبذلك استكمل تطويق منطقة الشمال كاملة، وفي قلبها جباليا، ومنع الدخول والخروج منها منذ اليوم التالي لبدء هذه الإبادة.
واتبع الاحتلال أسلوبا جديدا بمحاصرة مراكز إيواء النازحين والمدارس بجباليا ومخيمها وبيت لاهيا وبيت حانون، وإجبار مَن فيها على النزوح، وحرقها وتدميرها وفصل النساء عن الرجال واعتقال العديد منهم والتنكيل بهم.
ولم يكتفِ جيش الاحتلال بذلك، بل لاحق مَن أصرّ من المواطنين على البقاء في منازلهم، وشنّ غارات دموية على مربعات سكنية مأهولة في مختلف المناطق، ما أدى إلى استشهاد وجرح المئات.
كما حاصر الاحتلال المستشفيات الثلاثة العاملة في شمال غزة وهي كمال عدوان والإندونيسي والعودة، وأخرجها عن الخدمة بشكل كامل.
كذلك استهدف مركبات الإسعاف والدفاع المدني، التي باتت عاجزة تماما عن تقديم الخدمة، واعتقل عددا من كوادرها، واقتحم لاحقا مستشفى كمال عدوان ونكّل بالطاقم الطبي والمرضى بداخله.
ويأتي ذلك كله في ظل تجويع متعمد انتهجه الاحتلال حتى قبل بدء الاجتياح بأسبوعين، إذ أوقف دخول شاحنات المساعدات والمواد الغذائية لمحافظة شمال غزة بشكل كامل، ومنع إدخال الوقود والمعدات الطبية للمستشفيات.
ويعاني نحو 100 ألف مواطن ممن تبقوا في منازلهم أو المباني التي نزحوا إليها داخل شمال غزة، من أوضاع مأساوية، جراء الغارات المكثفة ونيران الآليات والمسيرات، وترقب وصول جيش الاحتلال إليهم في أي لحظة وتهجيرهم بالقوة، والصعوبة البالغة في الحصول على غذاء أو ماء أو دواء.
س.ب