غزة حكاية موت معلن.. حرب على وجوه الظلم بالملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير

غزة حكاية موت معلن.. حرب على وجوه الظلم بالملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير
23 نوفمبر 2024
(شباب اف ام) -

لم يعد فن الكاريكاتير خطوطا متشابكة تصنع صورة ساخرة للواقع وكفى، بل أضحى قضية ووجهة نظر وصراعا وحوارا وحروبا ودماء وأشلاء ومنع أرزاق وقطع أعناق.

والساسة في كل الدنيا يخافون الكاريكاتير ويفزعون من رؤية صورهم، لما له من قدرة على المواجهة والاشتباك مع الأحداث السياسية، وصرير قلم على “إسكتش” به عدة خطوط متصلة ببعضها، قد يغضب القادة ويغير السياسات ويطيح بالحكومات، أو -على أقل تقدير- يطيح برأس صاحبه.

مزيد من الأخبار على قناة شباب اف ام عبر تلغرام

وهذا ما حدث مرارا في حرب الإبادة في غزة وقبلها أيضا. وفي يوليو/تموز 2019، أعلنت صحيفة “نيويورك تايمز” توقفها تماما عن نشر الكاريكاتير السياسي، وجاء القرار على خلفية كاريكاتير نشره الفنان البرتغالي أنطونيو موريرا في أبريل/نيسان من نفس العام، يصور فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في صورة أحد الكلاب التي تقود المكفوفين، وتطوق عنقه نجمة داود وهو يسحب خلفه الكفيف (الرئيس السابق دونالد ترامب) الذي يرتدي الطاقية اليهودية “الكيباه”. وتم توصيف هذا الكاريكاتير على أنه معاد للسامية.

كما نفى الرسام أنطونيو أنتونس أن يكون رسمه معاديا للسامية، ويقول إنه ينتقد سلوك إسرائيل الإجرامي في فلسطين.

وبسبب حرب غزة أيضا أقيل ستيف بيل رسام الكاريكاتير من عمله في صحيفة ذي غارديان البريطانية بتهمة معاداة السامية بعد أن رسم كاريكاتيرا ينتقد فيه ممارسات نتنياهو في قطاع غزة.

لوحة في معرض الملتقى الثامن للكاريكاتير الجزيرة

ويظهر الكاريكاتير نتنياهو مرتديا قفازات ملاكمة وهو يحدد جزءا من خريطة تمثل قطاع غزة (تمهيدا لاقتطاعه) مع إرفاق عبارة “يا سكان غزة اخرجوا الآن” في إشارة إلى أن إسرائيل تطلب من أهالي غزة النزوح جنوبا قبل غزو بري متوقع.

وتحوّل رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى مادة متجددة لرسوم الكاريكاتير في وسائل الإعلام العالمية، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

تابع منصة شباب اف ام عبر أنستغرام

لوحة لفنان بلغاري عن الجورنيكا الفلسطينية والمذبحة الإسرائيلية في غزة الجزيرة

وعلى صفحات صحيفة “ذي إندبندنت” البريطانية، تم نشر عدد من رسومات الكاريكاتير نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن، بدءًا من 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وخلال الأيام الماضية افتتح بالقاهرة “الملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير” بقاعتي نهضة مصر وإيزيس بمركز محمود مختار الثقافي بمنطقة الجزيرة، ويضم 270 عملاً فنياً لنحو 246 فناناً من 54 دولة عربية وأجنبية، عن الحرب في غزة، والذكاء الاصطناعي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وتسليط الضوء على شخصية الملتقى للفنان الكوميدي سمير غانم، واختيار إسبانيا ضيف شرف الملتقى، بالإضافة لتكريم “فيلسوف الكاريكاتير” الفنان محمد حاكم تقديراً لدوره البارز في إثراء فن الكاريكاتير المصري.

تابع منصة شباب اف ام عبر “إكس”

لوحة لفنان كويتي عن الإنسان العربي الحائر وسط طوفان وسائل التواصل الاجتماعي الجزيرة

تحية للشهداء

في لقاء للفنان مصطفى الشيخ رئيس الجمعية المصرية للكاريكاتير المسؤولة عن الملتقى مع الجزيرة نت، قال: الكاريكاتير فن يعتمد بالأساس على اصطياد الفكرة وعرضها بشكل ساخر، حيث يرصد كل تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين، السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكافة الجوانب السلبية في حياتنا، ولهذا يهتم الملتقى بما يهم المواطن العربي، ويتعاطف مع آماله ويحزن لأحزانه، ولما نشبت الحرب على غزة كنا أول من عقد معرضا خاصا بالحرب على غزة، حمل كل آلام وآمال المواطن العربي والفلسطيني، ولذا فإن هذا المعرض وغيره من المعارض التي تقيمها جمعية الكاريكاتير المصرية معنية بالمقاومة والدفاع عن الأرض والوطن، وهي في النهاية مهداة لكل الإعلاميين والفنانين الشهداء في الأرض المحتلة، من ناجي العلي شهيد الكاريكاتير الذي حمل القضية الفلسطينية حيا وميتا، فنحن أيضا رسمنا كل الشهداء ممن قضى نحبه إلى كل المناضلين الأحياء على الأرض.

ويضيف الشيخ: والملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير يعد الآن من الأحداث الثقافية المهمة في العالم، ويدعى إليه الفنانون من كل دول العالم، واستطعنا أن نستقطب عددا من الفنانين العرب في المهجر ليأتوا، فيعرضون لوحاتهم في الملتقى، أذكر من هؤلاء الفنان السويدي الجنسية السوري الأصل سعد حاجو والذي يعد الآن من أبرز فناني الكاريكاتير في العالم، وكانت مشاركته لافتة من خلال لوحات لاقت إعجاب الفنانين والجمهور، وكذلك الفنان البحريني علي الصميخ والذي يعد من أبرز فناني البورتريه على مستوى العالم، ومن العراق الفنان خضير الحميري، وهو واحد من ألمع الرسامين وتميّز بلونه الخاص الذي يعتمد على الخطوط المتشابكة في إعطاء الملامح الساخرة منها.

فنان البحرين يبدع كاريكاتوره عن بؤس الإنسان وسط أمواج وسائل الإتصال المتلاطمة الجزيرة

 

لوحة لفنان إيطالي عن المقاومة الفلسطينية للاحتلال وحرب الإبادة الجزيرة

وفنانو الكاريكاتير العرب لقوا أكثر من غيرهم مرارة الاعتداءات والترهيب والاضطهاد، وعلى رأسهم العلي مبتكر شخصية الفتى الفلسطيني “حنظلة ” التي أصبحت رمزاً فلسطينياً عاش بعد وفاة صاحبه الذي تلقى طلقة من مجهول في أغسطس/آب 1987 في لندن، إضافة إلى السوري علي فرزات الذي تعرض لعملية اختطاف واعتداء عام 2011، وشملت الاعتداءات أيضاً الجزائري جمال غانم، والتونسي جابر ماجري، والمغربي خالد قدارة.

وفي لقاء مع الجزيرة نت، قال الفنان فوزي مرسي قوميسير عام الملتقى الدولي الثامن للكاريكاتير والأمين العام للجمعية المصرية للكاريكاتير: درج الملتقى على أن يتضمن محورين كل عام، محور الكاريكاتير ويضم الأعمال الفنية التي تتطرق إلى قضايا مهمة، ومحور البورتريه الكاريكاتيري الذي يركز على الاحتفاء بشخصية فنية أو ثقافية، واخترنا هذا العام الممثل الكوميدي سمير غانم وذلك للعلاقة القوية بين الكاريكاتير والكوميديا، وفي المعرض مجموعة كبيرة من من البورتريهات التي رسمها فنانون من مختلف دول العالم، تصاحبها بورتريهات أخرى للممثل الكوميدي الإسباني الشهير خوسيه لويس باثكيس.

فنان إيطالي يبدع لوحته من أكفان الشهداء الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين ويطالب بوقف الحرب الجزيرة

اهرب لقد اكتشفوا أمرنا

وفكرة الكاريكاتير الجوهرية تقوم بالأساس على السخرية، وتاريخياً نجد أن المصريين القدماء برعوا في فنون السخرية الكاريكاتيرية، والعرب عرفوا هذا الجنس الأدبي الراقي الصعب، فالجاحظ بأسلوبه الساخر المميز كان رسام كاريكاتير، ومن ذريته جاء المضحكون الكبار: البشري ومأمون الشناوي وأحمد بهجت ومحمود السعدني، وإذا انتقلنا للشاطئ الآخر نجد أن هنري برغسون صاحب رواية “الضحك” الحائز على جائزة نوبل أول من تنبه للقوة الكامنة في فن الكاريكاتير الشخصي مع نهاية القرن الـ19.

ثم جاء الكاتب الأميركي مارك توين، ليرسم لنا صور كاريكاتيرية لبعض شخصياته، نسوق منها هذه الواقعة:

وأرسل مارك توين لعدد من الشخصيات المرموقة في أميركا على سبيل الدعابة عبارة “اهرب لقد اكتشفوا أمرنا” وصباح اليوم التالي كانوا كلهم قد غادروا أميركا!

الكاريكاتيريون العرب

وبرع الكثير من رسامي الكاريكاتير العرب الذين تخصصوا في الكاريكاتير السياسي، وبعضهم دفع حياته ثمناً لفنه، ومن الأسماء المعروفة عربياً، من مصر: صلاح جاهين ومصطفى حسين وجورج بهجوري وأحمد طوغان وعمرو سليم والعراقي غازي ومحمود كحيل وأمجد رسمي، بالإضافة لأسماء عربية أخرى منها الليبي حسن دهيمش الملقب بـ”ساطور” والفنان أحمد الشكري ومواطنه الليبي محمد زواوي، توفي في عام 2011، والأردني عماد حجاج مبتكر شخصية “أبو محجوب” والسوري رائد خليل، ومن العراق الفنان خضير الحمير وفيصل لعيبي ونبيل يعقوب وطالب مكي ووليد نايف وعلي المندلاوي وكفاح محمود وحمودي عذاب وكذلك علي هاشم الكرخي وعادل صبري وانطلاق محمد عليو وفائزة الخطيب.

لوحة لفنان سوري عن القتل بالتكنولوجيا وتقطيع أوصال وأكباد وقلوب السوريين الجزيرة

الفن المقاوم

وفي لقاء للفنان التشكيلي ياسر عبيدو مع الجزيرة نت قال: بلغ الكاريكاتير العربي شأوا كبيرا خلال المرحلة الماضية، ولمعت من خلاله نجوم كبار عبروا عن قضايا المواطن العربي بذكاء واحترافية بالرغم من مساحة الحرية المحدودة للفنان العربي للتعبير عن هموم مواطنيه.

وفن الكاريكاتير الأكثر شعبية في تكثيف اللحظة، حيث السخرية والمبالغة لتضخيم الزاوية المنتقدة، ولما لهذا الفن من قدرة واسعة في تشكيل الرأي العام حول القضايا السياسية والاجتماعية والثقافية التوعوية، هي قدرة استغلها الفنان الفلسطيني في التعبير عن قضايا وطنه للتعامل مع الاستعمار الاستيطانيّ الصهيونيّ للأرض المحتلة، وقد استطاع من خلالها كشف روايات ومزاعم مركزية في البنية الصهيونية وتعريتها أمام الناظر لهذه الرسومات.

ويضيف عبيدو: ولما كان الكاريكاتير فنًّا مهتما بالأحداث اليومية، متتبعًا جرائم العنف الصهيونيّة التي مثلت العنف في أشد حالات ظهوره ووضوحه، هنا يبرز دور الكاريكاتير السياسي في التضخيم من حجم المأساة، وهذا ما نراه سنوياً في ذكرى النكبة (1948) حيث توظف عناصر مشتركة، منها مفتاح العودة وجذور شجرة الزيتون، ونجد المفتاح مثلاً شائع الاستخدام في الكاريكاتير الفلسطيني المخصّص لذكرى النكبة.

لوحة برازيلية عن الحرب والإبادة وقتل السلام في العالم الجزيرة

ويعدد لنا عبيدو عددا من فناني الكاريكاتير الذين برعوا في رسم الواقع الفلسطيني الأليم، منهم: الفنان سائد نجم وهو واحدٌ من أكثر من 20 فنانا فلسطينيا، معظمهم يعيشون خارج فلسطين، ونذكر منهم الفنان محمد سباعنة الفائز بعدة جوائز عالمية، والفنان الفلسطيني محمود نعيم عباس وهو عضو نقابة الصحفيين السويديين والاتحاد الدولي للصحفيين وشبكة الكرتون الدولية، وقد ولد في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في الأردن عام 1986 وتعود أصوله إلى قرية حمامة جنوب فلسطين، وقد فاز بعدة جوائز عالمية.

ولن ننسى ابن مخيم الشاطئ الدكتور علاء اللقطة الذي استطاع أن يعبر عن أحزان وطنه من خلال خطوط ورسومات الكاريكاتير المتمردة، وما زال إلى اليوم يحارب بريشته، ونال عددا من الجوائز المهمة في الكاريكاتير من مصر والدول العربية، بالإضافة لعدد آخر من الفنانين منهم: سائد نجم وأسامة نزال وصفاء عودة.

علامات على الطريق

ويحضرني أسماء أوروبيّة كبيرة قد لاقت العنت والمعاناة في سبيل النهوض بفن الكاريكاتير، لكنهم تركوا بصمات خالدة في تاريخ الفن، منهم وليام هوكارث (1697-1764) وهو رسام وطبَّاع إنجليزي، وقد تميزت رسومه بالنقد الاجتماعي الساخر، كما كان يرسم الكرتون في الصحف، وهو رائد الفن المسلسل. والإنجليزي جورج كرويكشانك (1792-1878) الذي ابتكر هجاءً سياسياً للعائلة المالكة البريطانية، بالإضافة إلى رسومه الاجتماعية للحياة البريطانية، والإسباني فرانشيسكو دي جويا (1746-1828) الأصم صاحب اللوحات الصارخة الذي ألهم بيكاسو سيزان.

لوحة لفنان أسباني تعبر عن انقراض الإنسان ، أو انعدام أخلاقه ، حتى لم يعد هناك شخص يستقبل العزاء في الإنسان سوى القرد الجزيرة

وكذلك الرسام الرائد أونوريه دومييه ‏(1808-1879) وهو طبّاع فني ورسام كاريكاتير مصور ونحات فرنسي، وقد عكست أعماله الحياة الاجتماعية والسياسية في فرنسا في القرن الـ19. ورسم أكثر من 500 لوحة فنية، وأنتج أكثر من 4 آلاف لوحة طباعة حجرية وألف عمل فني محفور على الخشب ومثلها رسوم بالإضافة إلى مئة منحوتة.

والفنان الفرنسي أونوريه دومييه الملقب بأبي الفنون الكاريكاتيرية الحديثة (1808-1879) والأميركي توماس ناست (1840-1902) الذي يعرف أيضا بأنه “أبو الكاريكاتير السياسي في الولايات المتحدة” وقد تميز بإنتاج العديد من الرسومات المميزة، منها صور كاريكاتيرية لسانتا كلوز، الفيل الجمهوري، الحمار الديمقراطي.

تابع منصة شباب اف ام عبر منصة “يوتيوب”

وكان الألماني ليونيل فايننجير (1871-1956) يمتلك مهارات كبيرة في الرسم جعلت منه بحلول نهاية القرن كبير رسامي الكاريكاتير السياسي في ألمانيا.

كما قام الفنان الشيوعي ويليام جروبر(1897-1977) بإنتاج رسوم كاريكاتيرية تميزت بالواقعية الاجتماعية، والروسي أليكس جارد (1900-1948) أنتج أكثر من 700 رسم كاريكاتيري للمشاهير.

فنان روسي يرسم عن التجويع واستخدام المساعدات الغربية لقتل الأطفال الجزيرة

أما الفنانة الأميركية هيرشفيلد (1903-2003) فقد عكست أعمالها حال مجموعة من السياسيين والفنانين، وتم اختيار أعمالها على الطوابع البريدية الأميركية، وأعمالها في العديد من المتاحف الفنية الأميركية بما في ذلك متحف متروبوليتان للفنون ومتحف الفن الحديث في نيويورك.

ويعد رسام الكاريكاتير مورت دركر (1929-2020) أحد المؤسسين لمجلة “ماد” ذائعة الصيت، وتميّز بأنه الأكثر شهرة برسومه الكاريكاتيرية لنجوم السينما والممثلين التلفزيونيين، وقد ساهم بعمل أغلفة وصور داخلية لمجلة “تايم” في العديد من المناسبات.

وهناك جيرالد أنتوني سكارف الذي ولد سنة 1936 وهو رسام صحيفة “نيويوركر” ورسام كاريكاتيري في صحيفة “صنداي تايمز” وهو صديق سابق لرسام الكاريكاتير رالف ستيدمان المولود سنة 1936، وأنشأ رسومات توضيحية لمجلة “ذي ديلي سكتش” ومجلة “ذي ستاندرد ستاندرد آند بانش” وقام بإنتاج سلسلة من الرسومات التي تعبر عن مجموعة من الشخصيات البريطانية المشهورة بما في ذلك هنري الثامن، الملكة إليزابيث الأولى، ونستون تشرشل، أغاثا كريستي، البيتلز، ديانا.

كاريكاتير عراقي عن الحكام وكيف يؤثرون في عقول شعوبهم بضخ الأكاذيب والفتات الجزيرة

 

فنان صيني يرى أن في الاتحاد خير يقف في مواجهة الشر الجزيرة
المصدر : الجزيرة
س.ب