وجه فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، رسالة مفتوحة للاجئين مع قرب عيد الفطر، تناول فيها الصعوبات التي تواجه الوكالة في ظل الأزمات السياسية والعالمية المختلفة بما فيها تأثير الحرب في أوكرانيا على أسعار الغذاء والوقود على المنطقة ما يزيد من المصاعب اليومية الحياتية.
واستهل لازاريني رسالته بالإشارة إلى الاجتماعات التي عقدها في أقاليم عمل الأونروا الخمسة خلال الأشهر الماضية، مشيرًا إلى أن شعر بتصاعد في حدة اليأس والإحباط والغضب في بعض الأحيان.
وقال لازاريني: “في هذا العام، سيؤدي الشتاء القاسي جدًا وتأثير الحرب في أوكرانيا على أسعار الغذاء والوقود في المنطقة إلى اشتداد المصاعب اليومية التي تواجهكم، وقد كنت شاهدًا على ذلك قبل بضعة أيام، عندما التقيت بلاجئين فلسطينيين في مخيم خان دنون واليرموك في سوريا، فقد أطلعني العديد من اللاجئين على كفاحهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية وكيف يجبرهم الوضع الاجتماعي-الاقتصادي على العودة للعيش وسط الركام في اليرموك”.
وأضاف: “كما يساورني قلق عميق إزاء تدهور الحالة الأمنية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وغزة، وأنا أدرك تمامًا أن جهود التعافي من الصراع الأخير في غزة تتقدم ببطء أكثر مما كان متوقعًا، وفي لبنان، لا يزال الإحساس باليأس حادًا لدى اللاجئين الفلسطينيين فيما لا يرى الكثيرون نهاية وشيكة للأزمة الاقتصادية والمالية غير المسبوقة التي تمر بها البلاد، وفي الأردن، يظل اللاجئون الفلسطينيون جديرين باهتمامنا المستمر لأن التحديات الاقتصادية التي تواجه البلاد تؤثر على عدد متزايد منهم”.
وأشار إلى أنه سيحضر المؤتمر الدولي السادس بشأن سوريا في أوائل أيار/مايو في بروكسل، قائلًا: “سأرفع صوت اللاجئين الفلسطينيين عاليًا، وسأشدد على ضرورة دعم أولئك العائدين إلى منازلهم في اليرموك وعين التل من خلال إعادة تأهيل مدارس الأونروا وعياداتها وخدماتها الأخرى”.
وذكر أنه في حزيران/يونيو، ستجتمع في لبنان اللجنة الاستشارية للأونروا، التي تجمع أبرز المانحين والبلدان المضيفة، وسيتيح هذا الاجتماع فرصة لمناشدة الجهات المانحة من أجل زيادة دعمهم للاجئين الفلسطينيين، مع التركيز على لبنان وسوريا، حيث سيتم تنظيم زيارات إلى المخيمات، وسيوفر مؤتمر التعهدات السنوي بشأن الأونروا، الذي سينظم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في حزيران/يونيو في نيويورك، فرصة أخرى لدعوة المجتمع الدولي إلى إظهار التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين. كما قال.
وأضاف: “خلال زياراتي إلى الميدان، لا أزال أشعر بالإعجاب والحماسة للفطنة والبلاغة التي تبديها الفتيات والفتيان من اللاجئين الفلسطينيين الطلبة وأعضاء البرلمانات المدرسية، وأنا أقوم بنقل تطلعاتهم ونجاحاتهم إلى المانحين على مستوى العالم لأخبرهم أن هناك جيلاً شابًا بأكمله يواصل التعلم والحلم والسعي نحو ما يأمل أن يكون مستقبلاً مشرقًا، وهم يستحقون الدعم من المجتمع الدولي”.
وتابع: “كانت الأونروا، على مدار أكثر من سبعة عقود، بمثابة استجابة المجتمع الدولي المؤقتة لمحنتكم التي لم يتم حلها بعد، وما زالت الوكالة هي المناصر الرئيسي لكم ومزودكم الأول بالخدمات الرئيسية من خلال مدارسها ومراكزها الصحية وبرامجها المختلفة، وقد أشاد المقيّمون الخارجيون على مر السنين بجودة خدمات الوكالة وأثرها الإيجابي على حياة الملايين من اللاجئين الفلسطينيين وعلى المنطقة”.
وواصل: “إن إنجازات الأطفال والشباب في مدارس الأونروا لهي مصدر فخر كبير للوكالة وموظفيها، يقدم التعليم أفضل صورة عن نجاح الاستثمار في التنمية البشرية للاجئين لمساعدتهم على الازدهار”.
وتطرق مفوض أونروا، إلى الأزمة المالية، قائلًا “في كل عام، وخاصة في العقد الماضي، تسمعون أن الأونروا تعاني من ضائقة مالية وتوشك على الانهيار الداخلي ثم تنجو بأعجوبة تقريبًا، وفي كل عام، أدعو، أنا ومن سبقني في هذا المنصب، المانحين إلى المساعدة على تفادي تعطل الخدمات، لدرجة أنه أصبح من المعتاد تقريبًا أن يتوسل المفوض العام طلبًا للمساعدة إذا أردنا للخدمات أن تستمر، وبينما سأواصل دون تحفظ بذل كل ما في وسعي لجمع الأموال للحفاظ على جميع الخدمات وصيانة حقوقكم، فيجب أن أعترف بأنني أجد أنه من المحير للعقل أن أضطر إلى القيام بذلك كل عام، في حين أن الأثر الإيجابي لعمل الوكالة على حياة الملايين لا يحتاج إلى برهان .. إن الوقوف على حافة الهاوية أمر مقلق للجميع: للاجئين في المقام الأول، ولكن أيضًا لموظفي الأونروا والبلدان المضيفة”.
وأضاف فيليب لازاريني: “الواقع المؤلم هو أنه في السنوات العشر الماضية، وعلى الرغم من الجهود الهائلة المبذولة في مجال التواصل وحشد التمويل، تظل الموارد المتاحة للأونروا في ركود، في حين أن احتياجات اللاجئين الفلسطينيين وتكلفة العمليات لا تزال تتزايد”.
وتابع لازاريني: “إن النقص في تمويل الأونروا الذي أصبح مزمنًا الآن هو نتيجة لمزيج من تقلب الأولويات الجيوسياسية، والديناميات الإقليمية الجديدة، وظهور أزمات إنسانية جديدة، يفاقمها إعياء المانحين تجاه أحد أطول الصراعات التي تبقى بدون حل في العالم، وقد أدى كل ذلك إلى تراجع واضح في أولوية القضية الفلسطينية، بما في ذلك بين بعض المانحين من المنطقة العربية في الآونة الأخيرة”.
ولفت إلى أن الأونروا تتعرض أيضًا وبشكل متزايد لسياسات داخلية في بعض البلدان المانحة التقليدية، قائلًا: “الحملات المنسقة التي تقوم بها منظمات تهدف إلى نزع الشرعية عن الوكالة وسحب تمويلها وتقويض حقوق اللاجئين الفلسطينيين تتزايد في عددها وعدوانها”.
وقال: “لقد نجحت الأونروا حتى الآن في إدارة هذا النقص المزمن في التمويل من خلال تدابير مستمرة لمراقبة التكاليف والتقشف، إلى حد استنزاف هذه التدابير، وهذا الأمر ليس مستدامًا، ويمكن للمرء أن يظل يأمل في ألا يحدث الانهيار المالي للوكالة، أو يمكن أن نعترف بأن الحالة الراهنة لا يمكن الحفاظ عليها وستؤدي حتمًا إلى تآكل نوعية خدمات الأونروا أو الأسوأ من ذلك أن تؤدي إلى انقطاع هذه الخدمات، وأنا مقتنع بأن عدم القيام بأي شيء سيضر أكثر مما ينفع”.
وأضاف: “تماشيًا مع حقوق الإنسان العالمية، لديكم الحق في الحصول على الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية من خلال شبكة أمان اجتماعي، ولكم أيضًا الحق في السكن اللائق، وفي روايتكم وذاكرتكم الجماعية، وفي سجلاتكم الفردية، فيما أنه لم يقدم لكم أي حل حتى الآن، وللأسف، لا يبدو أن ثمة حلاً يلوح في الأفق”.
وبين أن أولوياته بدعم من الأمين العام للأمم المتحدة، هي الحصول على موارد كافية لتغطية جميع الخدمات المقدمة للاجئين الفلسطينيين وتغطية جميع الرواتب لموظفي الأونروا.
وقال: “إن النقص السنوي في ميزانية البرامج الأساسية يقترب بانتظام من 100 مليون دولار أمريكي على مدى السنوات الماضية، وهذا مبلغ متواضع إذا ما قيس بمساهمة الوكالة في حقوق الإنسان والاستقرار في المنطقة”.
وأضاف: “سنواصل بذل قصارى جهدنا من خلال متابعة نشاطنا المكثف وزيادته ومضاعفته في التواصل والتشبيك والحوار مع جميع الأطراف المعنية، بما يشمل المانحين في العواصم والقطاع الخاص والأعمال الخيرية، بما في ذلك في العالم الإسلامي، والمؤسسات المالية الدولية”.
وتابع: “لكن يجب على المرء أن ينظر بواقعية إلى التنبؤات المالية وأن يعترف بأن الاستمرار في الاعتماد بشكل حصري تقريبًا على التمويل الطوعي من المانحين لن يكون منطقيًا، بالنظر إلى الديناميات العالمية والإقليمية”.
وبين أن أولوياته هي ولا تزال تتمثل في استمراركم (اللاجئين) في الوصول إلى خدمات عالية الجودة وحماية حقوقكم وولاية الأونروا، وفي هذا الإطار، يتمثل أحد الخيارات التي يجري استكشافها حاليًا في زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع إلى أقصى حد، ويشغل مكانة مركزية في هذا الخيار أن يكون من الممكن تقديم الخدمات نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها، وبالتالي بما يتماشى تمامًا مع الولاية التي تلقتها الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، مثل هذه الشراكات تملك إمكانية حماية الخدمات الأساسية وحقوقكم من نقص التمويل المزمن. كما قال.
وختم رسالته: “اسمحوا لي أن أكون واضحًا: ليس مطروحًا على الطاولة تسليم أو نقل للمسؤوليات والبرامج، ولا يوجد أي عبث بولاية الأونروا، فالأونروا لا يمكن الاستغناء عنها وسيظل الوضع كذلك، ونحن نستعد للتصويت على تجديد ولاية الأونروا في نهاية العام، وبما أنه لا يوجد أفق سياسي يشمل اللاجئين الفلسطينيين، فإنني أتوقع استمرار المستوى العالي من الدعم السياسي، وطالما أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت بشكل إجماعي تقريببًا لصالح ولاية الأونروا، فلن أدخر جهدًا في الدفاع عن حقكم في حياة كريمة إلى حين التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم لمحنتكم”.
المصدر: “القدس” دوت كوم
ي.ك