تحركات الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في جامعة هارفارد تقابل بلوائح سوداء لحرمانهم من الوظائف

29 نوفمبر 2024
(شباب اف ام) -

تعيش الجامعات والكليات الجامعية الأميركية هذه الأيام حالاً من التوتر الشديد في خضم النقاشات الساخنة الجارية حول الحرب بين إسرائيل و«حماس» وما يمكن أن يتكبده المدنيون من خسائر في الأرواح والممتلكات، وسط خشية من أن ترقى الضغوط المتزايدة على الحريات الأكاديمية إلى ما يشبه «الحملة المكارثية» وأجواء معاداة العرب والمسلمين في كل أنحاء الولايات المتحدة.

وأثيرت هذه الهواجس أميركياً بعدما ألقت مجموعات طلابية؛ بعضها مؤيد لإسرائيل وبعضها الآخر مساند للفلسطينيين، بوزنها في الأحرام الجامعية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، لاستقطاب الرأي العام أو لتأليبه، على غرار التوتر الذي ظهر في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي مع هجوم «حماس» على المستوطنات والكيبوتزات المحيطة بغزة؛ إذ وقعت العشرات من المجموعات الطلابية على رسالة «لجنة هارفارد للتضامن مع فلسطين» لتحميل إسرائيل «المسؤولية الكاملة عن كل أعمال العنف»؛ لأنها ذهبت بعيداً وطويلاً في اضطهاد الفلسطينيين، قائلة إن أكثر من مليونين من الفلسطينيين في غزة «أُجبروا على العيش في سجن مفتوح». وطالبت جامعة هارفارد بـ«اتخاذ إجراءات لوقف الإبادة المستمرة للفلسطينيين».

اللوائح السوداء

وأثار البيان رد فعل عنيفاً من عدد من الخريجين الأقوياء وقادة الأعمال، وبينهم الملياردير بيل أكمان، الذي دعا إلى تحديد هوية أولئك الذين وقعوا على الرسالة وإدراجهم في القائمة السوداء لحرمانهم من التوظيف. وكذلك قال الرئيس السابق لجامعة هارفارد لاري سامرز إنه شعر «بالغربة» عن جامعته بسبب عدم ردها في البداية على هجمات «حماس» أو على بيان المجموعات الطلابية. وكتب على منصة «أكس» أنه «خلال نحو 50 عاماً من الانتماء لجامعة هارفارد، لم أشعر بخيبة أمل أو عزلة كما أنا اليوم».

وعلى منوال ما دعا إليه أكمان، عملت مجموعات الضغط الموالية لإسرائيل على معرفة أسماء جميع الأفراد المؤيدين للفلسطينيين، وإعداد لوائح سوداء تهدف إلى التشهير بهم ومنع توظيفهم في الشركات والمؤسسات الكبرى، وتأديب عدد من أعضاء هيئة التدريس، بينما تعهد بعض المانحين الأثرياء سحب التمويل من الجامعات والمعاهد والكليات التي تحتضنهم.

وذكّرت هذه التدابير بالحملة سيئة الصيت خلال الخمسينات من القرن الماضي حين قاد السيناتور الجمهوري جوزف مكارثي دعاية ضد الشيوعية، مدعياً أن هناك عدداً كبيراً من الشيوعيين والجواسيس السوفيات داخل الحكومة الفيدرالية الأميركية، فيما صار لاحقاً يعرف باسم «المكارثية» بوصفها مصطلحاً لـ«التعبير عن الإرهاب الثقافي» ضد الكتّاب والمثقفين في أميركا.

وكذلك تسربت المخاوف مجدداً من معاداة العرب والمسلمين على غرار ما حصل بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية التي هزت أميركا والعالم.

لافتة على بوابة مبنى في جامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس الأميركية (رويترز)

لافتة على بوابة مبنى في جامعة هارفارد في ولاية ماساتشوستس الأميركية (رويترز)

 

أول دخولها

وعلى جاري المثل العربي «من أول دخولها، شمعة على طولها»، اضطرت رئيسة الجامعة، كلودين غاي التي لم يمض على تعيينها في هذا المنصب سوى نحو مائة يوم، إلى إصدار أول رد من الجامعة، قائلة: «إني أدين الفظائع الإرهابية التي ارتكبتها (حماس)». وأضافت: «اسمحوا لي أيضاً أن أذكر، في هذا الشأن كما هي الحال في أمور أخرى، أنه بينما يحق لطلابنا التحدث عن أنفسهم، لا تتحدث أي مجموعة طلابية – ولا حتى 30 مجموعة طلابية – عن جامعة هارفارد أو قيادتها».

ثم أصدرت غاي بياناً ثانياً بعد يومين، أقرت فيه بـ«الوضع المتقلب في حرمنا الجامعي»، مؤكدة أن الجامعة «ترفض الإرهاب» و«ترفض الكراهية» و«ترفض مضايقة الأفراد أو تخويفهم على أساس معتقداتهم».

وحيال ذلك، عبّر جون فان سميث، من المجلس الأميركي للتعليم الذي يتألف من أكثر من 1700 كلية وجامعة، عن اعتقاده أن ما يحصل «هو بالضبط ما تدور حوله الجامعات»، مضيفاً أنه «ليس من غير المعتاد وليس من غير المألوف، أن تكون هناك جدالات صعبة في الجامعات ومناقشات مماثلة حول ما هي الحدود المناسبة لحرية التعبير». وأكد أن «الحرم الجامعي هو المكان الذي تذهب إليه لتواجه أفكاراً جديدة، وتتاح لك الفرصة لتحدي وجهات النظر هذه».

فشل هارفارد»؟

ومع ذلك، قررت «مؤسسة ويكسنر» اليهودية سحب دعمها لكلية كينيدي بجامعة هارفارد، بعدما «لاحظنا هذا التسامح تجاه وجهات النظر المتنوعة»، علماً أن «زملاء ويكسنر – إسرائيل همشوا بشكل متزايد». وعبرت عن «الصدمة والاشمئزاز من الفشل الذريع لقيادة جامعة هارفارد في اتخاذ موقف واضح لا لبس فيه ضد عمليات القتل الوحشية للمدنيين الإسرائيليين الأبرياء على يد الإرهابيين».

ولم تكن هذه سوى ملامح من الحادثة الأولى المنذرة بعواقب؛ إذ تعرض رئيس نقابة طلابية في جامعة نيويورك لعقاب تمثل بسحب عرض عمل كان قدمه له مكتب للمحاماة في نيويورك؛ لأنه كتب أن «إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الخسارة الفادحة في الأرواح».

الجامعات الأخرى

 

عنصران من شرطة نيويورك يحرسان مظاهرة لطلاب مؤيدين لإسرائيل وآخرين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا (رويترز)

 

وبينما نظمت المجموعات الطلابية وقفات احتجاجية أدت في بعض الحالات إلى مواجهات مباشرة بين الجماعات المؤيدة لإسرائيل والجماعات المؤيدة للفلسطينيين، اشتبك المتظاهرون في جامعة نورث كارولينا في تشابل هيل وجامعة إنديانا. وكذلك أغلقت جامعة كولومبيا حرمها الجامعي أمام الجمهور، الخميس الماضي، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة بسبب احتجاجين طلابيين مخطط لهما، بعد يوم من تعرض طالب إسرائيلي للاعتداء بعصا خارج المكتبة.

وفي ضوء هذا التوتر، أصدر رئيس جامعة فلوريدا، بن ساسي، بياناً يدعم بقوة إسرائيل والطلاب اليهود. ولكن جامعات أخرى، مثل فاندربيلت وأوهايو، اتخذت مواقف أكثر حيادية. وشدد بيان جامعة ستانفورد على سياستها الحيادية، بينما أعلن رئيس جامعة نورث ويسترن أنه لن يُصدر بياناً رسمياً حول موقف الجامعة في شأن هذه القضية أو القضايا الجيوسياسية الأخرى في المستقبل.

وبشكل عام، فالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي كان دائماً مثار خلاف في الجامعات، كما هي الحال في المجتمع الأميركي ككل. ولاحظ استطلاع أجرته شبكتا «نيوز آور» و«ماريست» أنه فيما يعتقد ثلثا الأميركيين أن الولايات المتحدة يجب أن تدعم إسرائيل علناً في الحرب مع «حماس»، هناك اختلافات واسعة بين الأجيال والأعراق.

«فلسطين القانونية»

ولطالما كان الطلاب في طليعة حركات العدالة الاجتماعية عبر السنوات، بدءاً من الاحتجاج على حرب فيتنام وحتى النضال من أجل حقوق المهاجرين، وفقاً للمحامية لدى مجموعة «فلسطين القانونية» الأميركية راديكا سيناث، التي ذكّرت بأن الدعوة المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي ليست جديدة، وكذلك رد الفعل العنيف ضد الطلاب الذين يتحدثون علناً.

لكنها أشارت إلى أن مجموعتها شهدت «زيادة هائلة» في طلبات المساعدة القانونية، ما بين 10 إلى 20 من الطلبات يومياً، من أشخاص فصلوا من وظائفهم، أو استُجوبوا وتعرضوا للتهديد بسبب تعبيرهم عن دعمهم للحقوق الفلسطينية. وشددت على أن حق التعبير مكفول في التعديل الأول من الدستور الأميركي، وكذلك في الجامعات الرسمية ومعظم الكليات الخاصة، اعتماداً على الولاية. لكن في بعض الأحيان، تنتهك الجامعات سياساتها الخاصة.

«إنترفايث أميركا»

 

مؤيدون لإسرائيل خلال احتجاج في جامعة كولومبيا في نيويورك (رويترز)

 

وحيال هذا الوضع، أكد مؤسس ورئيس «إنترفايث أميركا» للديانات المتعددة «إيبو باتل» أن منظمته التي تعمل مع نحو ألف حرم جامعي في قضايا الأديان، تشعر بالقلق من أن الوقفات الاحتجاجية السلمية يمكن أن تتحول إلى أعمال عنف، معتبراً أن الجامعات والكليات تحتاج حالياً إلى مجتمعات الرعاية والتعاون؛ لأن «الناس يتألمون، والكلمات مهمة». وقال: «لن نقلل من شأن الصراع، بل سنقول ببساطة إننا لن نسمح للصراع أن يمنعنا من التعاون في أمور أخرى»، مضيفاً أن «هذه هي عبقرية الحرم الجامعي الأميركي. وهذا ما يحتاج إليه رؤساء الجامعات والمديرون الرياضيون وأعضاء هيئة التدريس والموظفون والطلاب للحفاظ على تركيزهم في الوقت الحالي».

كما يقول الطلاب اليهود إنهم خائفون أيضاً من تصاعد معاداة السامية في معظم أنحاء البلاد؛ إذ أظهر استطلاع أجرته مؤسسة «إيبسوس» في سبتمبر أن 57 في المائة من طلاب الجامعات اليهودية أفادوا بأنهم شهدوا أو تعرضوا لحادث معاد للسامية، سواء في الحرم الجامعي أو بين عامة الناس.

المصدر: صحيفة الشرق الأوسط

ر.ن