دخلت هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد في اليمن حيز التنفيذ مساء السبت، في بارقة أمل نادرة في الصراع بعد حرب منهكة مستمرة منذ أكثر من سبع سنوات.
ويرى محللون أن الهدنة التي أبرمت برعاية الأمم المتحدة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، تمثل فرصة “نادرة” للتهدئة، ولكن فرص نجاحها تبقى مرهونة بعوامل كثيرة، يتوقف بعضها على مصالح الحوثيين المدعومين من إيران، والسعودية التي تقود تحالفاً عسكرياً دعما لحكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ويدور النزاع الدامي منذ منتصف 2014، وقتل وأصيب فيه مئات الآلاف وتسبّب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم.
باءت محاولات سابقة للتوصل إلى هدنة في اليمن بالفشل. ولكن يرى محللون أن الظروف تختلف هذه المرة داخل اليمن وخارجه.ويقول الباحث أحمد ناجي من مركز “مالكوم كير – كارنيغي” ومقره بيروت، إن الحوثيين “يشعرون بأنهم لن يستطيعوا التقدم داخليا بسهولة بعد معارك شبوة ومأرب وخسائرهم المادية”.
وأعلنت القوات الموالية للحكومة بداية العام سيطرتها على محافظة شبوة الغنية بالنفط وطرد الحوثيين منها. ويحاول المتمردون منذ أكثر من عام التقدم نحو مدينة مأرب، مركز المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، لاستكمال السيطرة على كامل الشمال اليمني، لكن لم يتمكنوا من ذلك، ولو أنهم أحرزوا بعض التقدم في محيطها.
وبحسب ناجي، تمّ أيضا في الاتفاق “استيعاب شروط (الحوثيين) للتهدئة المتعلقة بمطار صنعاء وميناء الحديدة”.وتتضمن بنود اتفاق الهدنة تيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، والسماح برحلتين جويتين من والى مطار صنعاء كل أسبوع. ويسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء منذ العام 2014، بينما يسيطر التحالف العسكري على الأجواء اليمنية.
بالنسبة الى السعودية، يقول ناجي إن التحالف بات يرى “أنه من غير الممكن مواصلة الحرب بالطريقة نفسها، لأن ذلك يعني تمدّد الحرب وتوسّع نطاقها بما يؤثر على السعودية والإمارات” اللتين كثّف الحوثيون الهجمات ضد أراضيهما في الفترة الأخيرة.
ويرى الباشا أن أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن حرب أوكرانيا “عزّزت من قيمة إمدادات الطاقة السعودية التي تتهددها هجمات أنصار الله (الحوثيون) بالصواريخ والطائرات المسيرة”.وتحدثت الرياض هذا الشهر مرارا عن احتمال حدوث نقص في كميات النفط بسبب الاعتداءات الحوثية في اتجاه أراضيها والتي تسببت أحيانا بأضرار في منشآت نفطية. وجاء هذا في خضم تقلب أسعار النفط العالمية على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
كما يرى كبير المحللين اليمنيين في شركة الأبحاث “نافانتي غروب” الأميركية محمّد الباشا أن “أزمة الغذاء والطاقة العالمية التي أصبحت أسوأ بفعل الغزو الروسي (…) خلقت ضرورة ملحة لإنهاء الحرب في اليمن”.
يأتي إعلان الهدنة بعد جهود قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ منذ أشهر. وتستمر الهدنة لمدة شهرين وهي قابلة للتمديد شرط موافقة الطرفين عليها.وأكد المبعوث الأممي أن “نجاح هذه المبادرة يعتمد على التزام الأطراف المتحاربة المستمر بتنفيذ اتفاق الهدنة بما يتضمن الإجراءات الإنسانية المصاحبة”.
ويتفق المحللون على أن هذه الهدنة تبقى هشة.ويرى الباشا أن الهدنة “تختبر الثقة الهشة بين كافة الأطراف المتحاربة”.
ويقول الباحث في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ماجد المذحجي لفرانس برس “إعلان الهدنة فرصة نادرة للتهدئة بالمعنى الإنساني وتخفيف آثار الحرب على المواطنين”.
وبحسب المذحجي، “أظن أنها ستصمد هذا الشهر في شهر رمضان خصوصا لأن الحوثيين بحاجة لها، لكن إمكانية تجديدها مرهونة بوجود تفاهمات سياسية لا تبدو متاحة في الأفق”.
تزامن الإعلان عن الهدنة مع نقاشات حول النزاع المدمر في اليمن تستضيفها السعودية. ورغم رفضهم المشاركة في المحادثات الجارية على أرض السعودية، البلد العدو بالنسبة اليهم، قدّم المتمردون المدعومون من إيران الأسبوع الماضي عرضا مفاجئا لهدنة مؤقتة وتبادل أسرى.
وتسبّبت الحرب في اليمن بمصرع أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق الأمم المتحدة، أي أنهم قضوا إما في القصف والقتال وإما نتيجة التداعيات غير المباشرة للحرب مثل الجوع والمرض ونقص مياه الشرب.
وشدّد المبعوث الأممي على أهمية “البناء على هذا الاتفاق لاستعادة بعض الثقة بين الأطراف المتحاربة ولاستئناف عملية سياسية تهدف إلى إنهاء النزاع”.
ويرى ناجي أنه على الرغم من أن إعلان الهدنة ينصّ على “خطوات ليست بالكبيرة وبنطاق زمني مدته شهرين، إلا أن أهميتها تكمن في ما تقدمّه من مسار لناحية إمكانية الحل. فلو تمّت الاستفادة من هذه الهدنة لتمديد سقفها الزمني وتوسيع نقاط الاتفاق، قد يؤسس ذلك لحالة من التسوية السياسية لاحقاً”.
ولكن بحسب المذحجي، “التجارب السابقة في اليمن تقول إن الهدنة تصمد ارتباطا بمدى الحاجة لها، لكنها لا تشكّل أرضية لتدشين مسار سلام فعلي”.
المصدر: أ ف ب
ي.ك