ومنذ 22 فبراير الماضي، خضع 2778 كيانا روسيا لعقوبات جديدة، ليصل عددها الإجمالي إلى 5530، الأمر الذي جعل مراقبين يشبهون هذه القيود الصارمة بـ “حرب نووية مالية” على موسكو.

ووفقا لموقع “بلومبيرغ” نقلا عن منصة “كاستيلوم”، وهي قاعدة بيانات عالمية لتتبع العقوبات، يتجاوز عدد الكيانات أو المؤسسات الروسية الخاضعة للعقوبات الآن 5530.

وقبل روسيا، كانت إيران في الصدارة من حيث عدد العقوبات التي طالت 3616 كيانا، وفرضت على مدار عقد من الزمن، تليها سوريا (2608) وكوريا الشمالية (2077) وفنزويلا (651) وميانمار (510) وكوبا (208).

وتعد سويسرا الدولة التي فرضت أكبر عدد من العقوبات على روسيا بواقع 568، متجاوزة الاتحاد الأوروبي (518) وكندا (454) وأستراليا (413) والولايات المتحدة (243).

وتعليقا على الكم الهائل من العقوبات المفروضة على روسيا، قال بيتر بياتسكي المسؤول السابق بوزارة الخزانة في إدارتي الرئيسين الأميركيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب: “هذه حرب نووية مالية وأكبر عقوبات في التاريخ، لقد تحولت روسيا من كونها جزءا من الاقتصاد العالمي إلى أكبر هدف منفرد للعقوبات العالمية، وأصبحت منبوذة ماليا في أقل من أسبوعين”.

وطالت العقوبات المفروضة على روسيا بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، القطاعات المالية والدفاعية، والطاقة والتكنولوجيا والطيران وغيرها، علاوة على المسؤولين والأفراد.

وتقول الباحثة في العلاقات الدولية والأوروبية في مدرسة الاقتصاد العليا في موسكو لانا بدفان، إن وصف العقوبات بالحرب النووية المالية “دقيق وتشبيه بليغ يعكس حقيقة هذه العقوبات المفروضة على روسيا، وهي الأقسى والأولى من نوعها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ووصلت حدتها لدرجة شمولها الرئيس فلاديمير بوتن، عبر منعه من زيارة دول الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة، وبالتالي نرى أن هذه الحزمة من العقوبات المتتالية طالت مختلف المؤسسات البنكية والمالية والاقتصادية، والشخصيات الرئيسية السياسية والدبلوماسية، لا سيما القريبة من بوتن مثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

ولا يمكن توقع تأثير هذه العقوبات على المدى القصير كما تقول الباحثة الاقتصادية الروسية، التي أوضحت لموقع “سكاي نيوز عربية”: “على المدى الطويل أو على الأقل بعد أشهر عديدة مثلا يمكننا معرفة ما إذا كانت مدمرة للاقتصاد الروسي، فكما نلاحظ في موسكو الآن العملة الوطنية في تراجع أمام الدولار، لكن وزير المالية الروسي يعلن دوما عن ضخ مالي كبير للبنوك الروسية من العملات الصعبة، ولهذا نشهد استقرارا في الأسعار نوعا ما”.

وعن البدائل والخطط الروسية لمواجهة هذه الحرب الاقتصادية، تقول لانا: “بدأت الشركات الروسية المالية بالاعتماد على المؤسسات والبنوك الصينية بدلا من الأوروبية، لذلك ثمة انفتاح كبير من البنوك الروسية على نظيرتها الصينية في مؤشر على أن روسيا ستلتف على العقوبات الغربية وتفرغها من محتواها، عبر الاعتماد على الدول الآسيوية خاصة الصين. هكذا سيكون بمقدور موسكو إلى حد كبير مواجهة هذه العقوبات الغربية، واستعادة عافيتها الاقتصادية”.

وشرحت الباحثة والخبيرة في العلاقات الدولية طبيعة العقوبات الغربية، بالقول: “هي قاسية جدا وبوتيرة تصاعدية حادة طيلة الأيام الماضية، وحسبما أطلعت فإن الاتحاد الأوروبي يحضر حزمة جديدة من العقوبات على روسيا تستهدف كافة القطاعات حتى في مجال النقلين الجوي والبري، وإغلاق العديد من الشركات الأوروبية العاملة في روسيا، مما يؤثر بشكل كبير مثلا على صناعة السيارات، لكن موسكو ردا على ذلك بادرت بوقف الصادرات التكنولوجية الفضائية للولايات المتحدة، علما أن واشنطن تستورد لوازم ومواد أساسية تدخل في صناعاتها بالمجال الفضائي من روسيا.

واختتمت حديثها بالقول: “العقوبات سيف ذو حدين، وستنعكس سلبا ليس فقط على روسيا بل وعلى الاتحاد الأوروبي وكذلك أميركا، والسؤال هنا كيف يمكن للدول الأوروبية الاستغناء عن روسيا اقتصاديا؟ حيث تتمتع موسكو بحضور اقتصادي قوي جدا في أوروبا عبر صادراتها من الطاقة كالغاز والنفط، والتعاملات النقدية والمالية والتجارة، وهذه العقوبات ربما تنجح موسكو في تذليل تداعياتها عليها، لكن على الاتحاد الأوروبي وهو المستورد الأول للنفط والغاز الروسيين وغيرهما من الصادرات. علينا التفكير مليا في التداعيات الخطيرة عليه من جراء هذه العقوبات، فقد ارتفعت أسعار الغاز والوقود بشكل مهول في ألمانيا مثلا، لكن الأسعار في روسيا لا زالت تتمتع باستقرار نسبي”.