لم يكفِ التجمع البدوي في منطقة “عين سامية” شرق رام الله الاعتداءات المتكررة التي ينفذها المستوطنون بحقهم، حتى قررت محكمة إسرائيلية الأربعاء الماضي، هدم المدرسة الوحيدة في التجمع، التي جنبت أطفالهم الوصول إلى قرية كفر مالك التي تبعد نحو 15 كيلو مترًا للدراسة هناك، وجنبتهم ترك التعليم، لذا فإن إنفاذ قرار الهدم يعني حرمان الأطفال هناك من حقهم في التعليم الذي كفلته لهم القوانين الدولية.
قرار يدفع الأهالي لهدم مدرستهم بأيديهم
صباح الأربعاء الماضي، أصدرت المحكمة المركزية الإسرائيلية في القدس، بناءًا على طلب الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الاسرائيلي، قرارًا بهدم مدرسة عين سامية شرق رام الله، بعد عقد جلسة للنظر في الالتماس الذي قدمه محامو مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان نيابة عن المتبرع بالأرض التي تبرع بها مواطن من قرية كفر مالك شمال شرق رام الله لصالح إقامة المدرسة، ضد قرار هدم المدرسة الصادر عن الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال بتاريخ 28 أبريل\ نيسان الماضي.
ومدرسة تجمع “عين سامية” يدرس بها طلبة من الصف الأول حتى السادس الأساسي، وتخدم حوالي سبعة أطفال من التجمعات البدوية المحيطة، وأقيمت على أرض خاصة تبرع بها مواطن فلسطيني من بلدة كفر مالك، شمال شرق رام الله منتصف شهر يناير\ كانون الثاني الماضي، بتنسيق مع وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان وبتمويل أوروبي من خلال إحدى المؤسسات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية، لتخدم المدرسة طلاب تجمع “عين سامية” البدوي، كواحدة من مدارس الصمود والتحدي في المناطق المصنفة (ج).
يقول مدير الدائرة القانونية في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بسام كراجة لـ“القدس”دوت كوم: “إن قرار المحكمة أقر بأن يهدم الأهالي المدرسة ذاتيًا بأيديهم، وإذا لم يفعلوا عليهم أن يبلغوا المحكمة بذلك، على أن يتم تحديد موعد للهدم فورًا من قبل قوات الاحتلال، على أن يدفع الملتمسون تكاليف الهدم ومصاريف المحكمة، وغرامة عالية جداً لم تحدد قيمتها بعد”.
مدرسة تحميهم وأطفالهم وحقهم بالتعليم
منذ أن أقيمت مدرسة التجمع البدوي في “عين سامية” فرح الأهالي لتثبيت حق أبنائهم بالتعليم دون الاضطرار للوصول إلى مدرستهم في قرية كفر مالك التي تبعد 15 كيلو متراً، وأحيانًا كانوا يصلون مدارسهم من خلال حافلات توفرها وزارة التربية، وفي بعض الأحيان يضطرون الوصول مشيًا على الأقدام، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلًا بعد قرار الاحتلال بهدم المدرسة، بحسب ما يؤكده لـ”القدس”دوت كوم، ممثل التجمع البدوي في “عين سامية” خضر العمريين.
ويؤكد العمريين، أن هدم المدرسة هو دخول الأهالي وأطفالهم معاناة جديدة، حيث أن الطرق غير أمينة، وهناك شارع استيطاني ومستوطنين خاصة من مجموعات “شبيبة التلال” المعروفين بشراستهم، وهو ما يعرض أطفال التجمع للخطر الحقيقي، و”إن تم هدم المدرسة، فإن الكثير من الأهالي يفكر بأن يترك ابنه المدرسة، تجنبًا لأي خطر قد يلحق بهم”، وفق العمريين.
ووفق مسؤول دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة، فإن هدم مدرسة “عين سامية” يهدد حق الأطفال بالتعليم، علمًا بأن المدرسة جاءت كاحتياج لأهالي التجمع البدوي، بسبب اعتداءات المستوطنين وبعد التجمع عن المدرسة الموجودة في كفر مالك، رغم أن المدرسة لا تشكل أي خطر على الاحتلال أو المستوطنين.
معاناة من التهميش.. لكنهم صامدون لحماية الأرض
التجمع البدوي في “عين سامية” الذي تقطنه 28 عائلة يصل عدد أفرادها نحو 200 نسمة، يؤكد العمريين، أن التجمع يعاني أهله من التهميش من قبل الحكومة والمؤسسات الرسمية، ويقول: “لقد تعبنا من مناشدة الحكومة للاهتمام بنا، دون جدوى”.
ويشدد العمريين على أن الاستجابة للتجمع البدوي والاهتمام به، يأتي في سياق تعزيز صمود الأهالي وحماية الأراضي التي يقيمون تجمعهم بها وهي أراضي خاصة أصحابها من قرية كفر مالك، وليس أهالي التجمع.
ويقول العمريين: “في حال تهجيرنا من المكان، فإن ذلك سيزيد من خطر استيلاء المستوطنين على الأرض، نحن عائلة العمريين التي تعود لعشيرة الكعابنة أصلها من بئر السبع، ونعيش في التجمع منذ إقامته في ذات المكان منذ 42 عامًا، ووجودنا يحمي الأرض من خطر الاستيطان”.
اعتداءات المستوطنين بهدف تهجير الأهالي
يقع تجمع “عين سامية” البدوي على أطراف بادية القدس إلى الشمال الشرقي، حيث استقرت عشيرة العمرين/ الكعابنة البدوية، والتي ذاقت مرارة التهجير والترحيل مرات عديدة قبل أن تستقر في مكانها الحالي، ضمن تفاهمات غير مكتوبة مع الإدارة المدنية التابعة للاحتلال، التي صادرت جزءاً كبيراً من أراضي التجمع والمنطقة المحيطة لصالح مستوطنة “كوكب الصباح” الاحتلالية، فيما يعاني أهل التجمع من اعتداءات متكررة من قبل المستوطنين بهدف مصادرة ما تبقى من الأرض وطرد أهل التجمع منها، وفق ما أكده مركز القدس للمساعدة القانونية.
ومؤخرًا شهدت التلال المحيطة بتجمع “عين سامية” إقامة عدة بؤر استيطانية على شكل بؤر رعوية يتكون كل منها من بيت متنقل “كرفان”، وقطيع أغنام، أو أبقار، بهدف نشر الإرهاب في المنطقة وتطهيرها عرقياً، وفق مركز القدس.
يقول المشرف العام لمنظمة “البيدر” للدفاع عن حقوق البدو المحامي حسن مليحات: “إن قرار محكمة الاحتلال بهدم مدرسة عين سامية يعتبر جريمة حرب موصوفة، بحرمان المواطنين من حق أصيل من حقوق الإنسان، وتهدف من وراء هذا القرار إلى تهجير سكان تجمع عين سامية البدوي من أجل مصادرة الأرض وتحويلها إلى وحدات استيطانية جديدة، ما يمثل جريمة حرب حسب القانون الدولي، كونه إحلالٌ للمستوطنين مكان السكّان الأصليين”.
ويؤكد مليحات، أن هذا القرار بمثابة نموذج صارخ لسياسة التمييز العنصري، ومخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة واتفاقية لاهاي، ومخالف لقرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتي تطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967.
من جانبه، يقول مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة: “إن قوات الاحتلال قاومت التجمعات البدوية لإفشالها ومنع إقامتها بكل الطرق، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة بؤر استيطانية لتهديد حياة البدو لإجبارهم على الرحيل، ما يسهل السيطرة الاستيطانية على الأراضي”.
مدارس تساهم بمنع التهجير
يؤكد الأهالي والمؤسسات الرسمية والشعبية أن وجود المدارس في التجمعات البدوية، يعني الاستقرار في تلك التجمعات، وبالتالي حماية الأراضي من الهجمة الاستيطانية، ومنع مصادرة الأراضي من أجل التمدد الاستيطاني.
ويؤكد فيه مسؤول العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أبو رحمة، على أن وجود المدرسة في “عين سامية” وغيرها من التجمعات البدوية، هو حماية للأرض المقامة عليها التجمعات البدوية من الأطماع الاستيطانية.
بدوره، يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور،”إن الاحتلال يهدف من وراء الهجمة على هذه المدارس هو تفريغ الأراضي من التجمعات البدوية، حيث إن وجود المدارس بالتجمعات يعني الاستقرار، وهو ما لا يريده الاحتلال”.
ووفق الخضور، فإنه خلال السنوات الأخيرة، فقد استهدفت قوات الاحتلال ثمانية مدارس، بعضها هدم أكثر من مرة، رغم أن المدارس تخدم التجمعات البدوية ومناطق “ج”، تحت ذرائع مختلفة، علاوة على وجود إخطارات بالهدم للمدارس في سياق مسلسل استهداف التعليم الفلسطيني وخاصة في القدس، فيما ينوه الخضور إلى أن وزارة التربية وبالتعاون مع جهات الاختصاص بنت حتى الآن 30 مدرسة تحدي.
جهود لمنع الهدم
وتبذل المؤسسات ذات العلاقة جهودًا قانونية ودبلوماسية وقد تصل للتظاهر الشعبي والاحتجاج، لمنع هدم مدرسة “عين سامية”، وفق ما يؤكده مدير دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان عبد الله أبو رحمة.
يقول أبو رحمة: “لقد تم بذل جهد قانوني كبير بمحاكم الاحتلال، وكذلك جهدًا دبلوماسيًا لخلق ضغط على الحكومة الإسرائيلية لمنع الهدم، لكن حال استمر الاحتلال بالتهديد قد نتحول إلى المسار الشعبي والقيام بفعاليات وتظاهرات لمحاولة منع خطوة هدم المدرسة، علمًا بأنها مقدمة لتهجير الأهالي في عين سامية”.
وفي الوقت الذي يؤكد مدير الدائرة القانونية في مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بسام كراجة أن مدرسة “عين سامية” معرضة للهدم بأية لحظة، فإنه يشير إلى أنه من الممكن بذل جهود قانونية أخرى لعقد جلسة محكمة جديدة، “لكننا نأمل أن نتجنب وقوع الهدم، وكذلك فإننا بحاجة لجهد دبلوماسي أو سياسي رسمي وكذلك الجهود الشعبية لمنع الهدم”.
بدوره، يقول الناطق باسم وزارة التربية والتعليم صادق الخضور: “لقد تم التواصل مع الجهات الدبلوماسية والمؤسسات الحقوقية، وتم إرسال رسائل لها، للتدخل من أجل الضغط على الاحتلال، لمنع الهدم، وحماية حق أطفال فلسطين بالتعليم”.
في حين، يطالب المشرف العام على منظمة “البيدر” للدفاع عن حقوق البدو حسن مليحات، المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية بالوقوف أمام مسؤولياتهم القانونية والإنسانية واتخاذ مواقف حازمة إزاء الجرائم التي ترتكبها دولة الاحتلال ضد المواطنين في تجمع “عين سامية”.
المصدر: القدس دوت كوم
ي.ك