يُصادف اليوم اليوم العالمي للشطرنج الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة -بموجب قراراها 278/72- يوم 20 تموز بوصفه اليوم العالمي للشطرنج للاحتفال بتاريخ إنشاء الاتحاد الدولي للشطرنج في باريس عام 1924، حيث يحتفل لاعبو الشطرنج بها اليوم منذ عام 1966.
على مر التاريخ، ساعدت الألعاب والرياضات البشرية على البقاء عند المرور بأزمات، حيث تحد تلك الأنشطة من القلق وتحسن الصحة العقلية. وفي حين أن تفشي فيروس كورونا (جائحة كوفيد- 19) أثر سلبا في معظم أنشطة الألعاب والرياضة، أظهرت رياضة الشطرنج مرونة ملحوظة وقدرة على التكيف في أثناء الجائحة.
منذ اندلاع جائحة كورونا، انتشرت لعبة الشطرنج انتشارا هائلاً، حيث زاد عدد المشاركين في فعاليات لعبة الشطرنج التي تقام بشكل متزايد عبر منصات الرقمية على الإنترنت.
لعبة الشطرنج هي لعبة طاولة استراتيجية تشمل على لاعبين اثنين، حيث تهدف اللعبة إلى تحريك أنواع مختلفة القطع، والتي تمتلك مجموعة محددة من التحركات المحتملة، حول لوحة مربعة الشكل من اجل الإمساك بالقطعة الرئيسية الممثلة بالملك. يوجد اليوم أكثر من الفين نسخة معروفة من هذه اللعبة.
كانت لعبة الشطرنج منتشرة على نطاق واسع على طول طرق الحرير، حيث يوجد عدد من النظريات حول كيفية تطورها.
إحدى تلك النظريات هي أن لعبة مبكرة شبيهة بالشطرنج تسمى شاتورانجا نشأت في شبه القارة الهندية الشمالية خلال فترة حكم غوبتا (حوالي 319 – 543 م) وانتشرت على طول طرق الحرير غربًا إلى بلاد فارس.
اثناء الاعتقاد أن لعبة الشطرنج الحديثة كانت مستمدة من الشاتورانجا الهندية، فقد تم تبادل العاب استراتيجية مشابه على طول طرق الحرير مثل زيانجكي في اليابان والجانجي في الصين والشوجي في شبه الجزيرة الكورية والتي لاتزال تمارس من قبل الشعوب في يومنا هذا.
تعني كلمة شاتورانجا “أربعة اقسام” والتي تشير إما إلى أقسام قطع اللعب المقسمة إلى المشاة والفرسان والفيلة والعربة (نفس القطع التي أصبحت في اللعبة الحديثة ممثلة ب البيدق والفارس والقائد والغراب)، أو تشير إلى حقيقة أن اللعبة كانت تلعب من قبل أربعة لاعبين.
كان تشاترانج، وفي وقت لاحق شاترانج، هو الاسم الذي أطلق على اللعبة عندما وصلت إلى بلاد فارس الساسانية حوالي 600 ميلادية.
تأتي الإشارة الأولى إلى اللعبة من خلال مخطوطة فارسية من حوالي 600 ميلادية، والتي تصف سفيرًا من شبه القارة الهندية يزور الملك خسرو الأول (531 – 579 م) ويقدم له اللعبة كهدية.
ومن هناك انتشرت اللعبة على طول طرق الحرير إلى مناطق أخرى بما في ذلك شبه الجزيرة العربية ومملكة البيزنطيين، حيث عرفها العرب بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس حيث طوروها واستحدثوا لها أسماء وأشكال تتوافق مع خصوصياتهم الدينية والثقافية وحمولها معهم إلى أطراف العالم عبر الفتوحات الإسلامة للأندلس.
في عام 900 ميلادية، قام أبطال الشطرنج العباسيين الصولي واللجلاج بتأليف أعمال حول تقنيات واستراتيجية اللعبة، وبحلول عام 1000م كان الشطرنج مشهورًا في جميع أنحاء أوروبا، ووصل الى روسيا قادما من مناطق السهوب الأوراسية.
مخطوطات ألفونسو, المعروفة أيضا تحت أسم “كتاب الألعاب” وهي مجموعة نصوص من العصور الوسطى والتي تشمل ثلاثة أنواع مختلفة من الألعاب الشعبية من القرن الثالث عشر الميلادي ، تصف لعبة الشطرنج بأنها تشبه إلى حد بعيد لعبة الشاترانج الفارسية من حيث القواعد وطريقة اللعب
ومهما كانت أصولها الدقيقة، فإن تطور لعبة الشطرنج على مدار مئات السنين التي مورست بها تقدم مثالاً ممتازًا على انتقال وتفسير جوانب الثقافات المختلفة في اتجاهات متعددة على طول طرق الحرير.
حيث يمكننا ملاحظة أنه تم تغيير عناصر اللعبة لتتناسب مع مختلف الأذواق والعادات في موقعها الجديد، خاصة من حيث الأشكال التي اتخذتها القطع المختلفة. ومع ذلك، احتفظت بأوجه تشابه كافية لتشكل تباينًا في نفس اللعبة.
على سبيل المثال، في لعبة الزيانجي الصينية، تأخذ القطع شكل أقراص مسطحة تحوي على أحرف صينية مكتوبة عليها او قطع لعبة الشوجي التي تحوي على عربة الطيران وقطع الجنرالات الذهبية والفضية وقطعة الملك المرصع بالمجوهرات.
ووفقًا لسجلات تعود الى القرن الثالث عشر، شملت القطع الموجودة في لعبة شاترانج رئيس الوزراء (فيز)، الفيل (فيل) والروخ (قطعة عربة تمثلها الآن “الرخ” أو القلعة الحديثة)، على غرار تلك المستخدمة في شاتورانجا الهندية.
تشكل الألعاب التقليدية، بما في ذلك الشطرنج بأشكالها المتعددة، عناصر مهمة ممثلة عن ثقافات الحضارات والشعوب التي تعيش على طول طرق الحرير.
وفرت أنشطة التبادل الثقافي والتجاري والتي حدثت منذ آلاف السنين على طول طرق الحرير فرصا ذهبية، ليس فقط لنشر الألعاب التقليدية عبرمختلف المناطق ولكن أيضا لإثرائها وتطوريها على مستويات مختلفة.
يمكن ملاحظة ذلك في الطريقة التي تم بها اعتماد القطع والقواعد التي تم تكييفها في مختلف المواقع الجديدة التي لعبت بها اللعبة، وكذلك في الطرق التي تم بها إجراء البحوث والدراسات ذات الأهمية حول نظرية واستراتيجية لعبة الشطرنج في عدد من المراكز الأكاديمية على طول طرق الحرير
ويُعد تخصيص الأمم المتحدة يوما عالميا للشطرنج إبرازا للدور الهام لـلاتحاد الدولي للشطرنج في دعم التعاون الدولي للأنشطة في مجال الشطرنج والسعي إلى تحسين الانسجام بين جميع شعوب العالم، فضلا عن إتاحة منصة مهمة لتعزيز الحوار والتضامن وثقافة السلام.