في يوم 14 تشرين الأول/أكتوبر من العام 1986، اجتمع مجلس جامعة الدول العربية في العاصمة التونسية، وأصدر قراره حينها بتأسيس مجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة.
ولأهمية هذا القرار الذي يجعل العالم العربي جنباً إلى جنب مع باقي الدول العالمية الأخرى، في مواجهة المشاكل البيئية التي تهدد كوكبنا الأرض، تم اعتبار تاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول، يوماً عربياً للبيئة.
أهداف اليوم العربي للبيئة
يهدف اليوم العربي للبيئة (Arab Environment Day) إلى التوعية بالتحديات والمشكلات البيئية التي تواجهها المنطقة، وتكثيف جهود التعاون العربي بكل ما يخص مجالات البيئة في بلداننا، وذلك لإيجاد حلول حقيقية للمشاكل البيئية التي تأخذ بالازدياد المستمر على المستوى العالمي يوماً بعد يوم.
التحديات البيئية التي تواجهها الدول العربية
تواجه الدول العربية والعالم العديد من المشاكل البيئية، نستعرض فيما يلي أهمها:
التصحر والجفاف
التصحر ظاهرة عالمية تفاقمت خلال العقود الثلاثة الماضية، وتعد قارة أفريقيا الأكثر تأثرا بها، كما يعاني الوطن العربي بشدة من التصحر بسبب وقوعه ضمن النطاق الصحراوي وشبه الصحراوي، ففي دولة الكويت مثلا، تصل نسبة الأراضي الصحراوية والقاحلة إلى حوالي 90% من مساحة الدولة.
تؤدي المشاكل البيئية بكل أشكالها وأسبابها إلى تقلص المساحات الخضراء على كوكب الأرض، وظهور مشكلة التصحر بوضوح، بالإضافة إلى ارتفاع شدة الجفاف، وحرائق الغابات وزحف الكثبان الرملية على الأراضي الزراعية.
كما تسهم الأسباب البشرية بشكل كبير في تفاقم مشكلة التصحر، منها: النمو السكاني والممارسات البيئية الخاطئة من الرعي الجائر وازالة الغابات وأنشطة التعدين وتحويل المجاري المائية وردم أو تجفيف المسطحات المائية، وغير ذلك.
تلوث المصادر المائية والمسطحات المائية الكبيرة
يُعد تلوث المصادر المائية واحداً من أخطر المشكلات البيئية، ومن أسباب حدوثه الإستخدام المفرط للأسمدة والمبيدات الحشرية التي تؤثر على هذه المصادر سلباً. إضافة إلى توجيه مجاري المياه العادمة والنفايات الضارة الكيميائية في المدن الكبيرة، نحو المصادر الطبيعية للمياه مثل الأنهار، مما يساهم في انتشار الأمراض والأوبئة القاتلة، التي تهدد شعوباً كاملة بخطر الموت أو المجاعات.
وتشكل المسطحات المائية الكبيرة مثل المحيطات والبحار. العديد من سواحل دولنا العربية. ويوماً بعد يوم، يزداد مستوى التلوث بنِسَبٍ غير مسبوقة جراء المخلفات الصناعية والكيماوية والغذائية التي تلقي بها المصانع في هذه المسطحات.
التلوث الحراري وتحمض المحيطات
تنتج مشكلة التلوث الحراري عن ارتفاع أو انخفاض مفاجئ في درجات الحرارة الخاصة بالمسطحات المائية، وهذا يتسبب في تغير مستوى الأكسجين، كما تحدث الحرارة ضررا بالكائنات البحرية مما يؤدي إلى اضطراب الأنظمة البيئية.
أما تحميض المحيطات فينتج عن زيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في مياه المحيطات، وهذا من شأنه أن يزيد من حموضة المحيطات ويؤدي إلى إحداث ضرر بالعوالق والمحار ويتسبب في حدوث هشاشة في صدفاتها.
تلوث التربة
يحدث تلوث التربة بسبب تراكم بعض المواد، مثل: المركبات السّامة، والأملاح، والمواد الكيميائيّة، والمواد المشعّة، وجميع العوامل المسببة للأمراض في التربة، ويعود السبب في وجود مثل هذه الملوّثات في التربة إلى الأنشطة البشرية، إلّا أنّها يُمكن أن تتكون بشكل طبيعي، مثل تراكم العناصر المعدنية في التربة بتراكيز أكبر عن الحد المسموح به، ويُعدّ تلوث التربة سبباً في حدوث اضطرابات ضخمة في التوازن البيئي، مما يعرض صحة الكائنات الحية جميعها للخطر، ابتداء من المخاطر الصحية نتيجة استخدام الأراضي المليئة بالملوثات، أو شرب المياه الملوثة الموجودة في المنطقة، إلى تأثيره على نمو المحاصيل في التربة الملوثة، وامتصاص النباتات للمواد الكيميائية السامة من التربة، مما قد يؤدي إلى العديد من المشاكل الصحيّة لمستهلكيها.
كما يؤدي تلوث التربة إلى زيادة ملوحتها وجفافها، مما يدمر خصوبتها لتصبح الأرض غير صالحة للزراعة، ويؤدي إلى وقتل الكائنات الحية المفيدة التي تعيش فيها، بل قد يصل تأثر التلوث إلى الكائنات المفترسة كالطيور التي ستغيّر مكان عيشها للحصول على طعامها.
نقص التنوع الحيوي واختلال التوازن البيئي
تتعرض بعض الكائنات الحية لخطر الانقراض وبعضها انقرض بالفعل ما تسبب في نقص التنوع الحيوي، والذي أحدث خللا في النظم البيئية، يحدث ذلك بشكل أساسي بسبب التدهور الحادث للأراضي والصيد الجائر، ووجود أنواع دخيلة على النظام البيئي.
كما يعتبر اختلال التوازن البيئي مشكلة من المشكلات الدولية التي تمثل عائقا بالنسبة لدول العالم وبالأخص الدول الصناعية، حيث تسببت التغيرات الصناعية فيها والتوسع في الصناعات الكيماوية والذرية وغيرها من الصناعات، بالأضرار بالنظم البيئية وإحداث خلل في توازنها.
مصادر الطاقة
تعتمد المصانع والمؤسسات الكبيرة، وحتى المجتمعات والأفراد على استهلاك المصادر التقليدية من الطاقة وحرق المزيد من الوقود الأحفوري، الأمر الذي يخلف غازات سامة وقاتلة في الجو، تساهم بارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل ملحوظ، ويزيد من مشاكل الاحتباس الحراري وزيادة حرارة الأرض في العالم كله، ما يهدد بكوارث أخرى.
الاحتباس الحراري وتغير المناخ
تعد المنطقة العربية من أكثر المناطق تأثراً بتغير المناخ. يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وموجات الحر الشديدة إلى ندرة المياه والجفاف الذي يشكل تهديدًا مستمرًا للأمن الغذائي والمائي، حيث تواجه العديد من الدول العربية فترات نقص حاد في المياه خلال أشهر الصيف وبعضها لديه ساعات قليلة من إمدادات المياه خلال النهار.
نقص الوعي البيئي وزيادة النزعة الاستهلاكية
أدى نقص الوعي البيئي إلى استغلال البيئة وإلحاق الضرر بها، ويتراوح ذلك من أنشطة الصيد غير القانونية، والتلوث البلاستيكي في الموائل الساحلية، وحرائق الغابات التي يسببها الإنسان، وآبار المياه الجوفية غير القانونية إلى التوسع الحضري غير المنظم، كما يؤدي التلوث وسوء إدارة الموارد وزيادة النزعة الاسنهلاكية إلى زيادة الضغط على الموارد المتاحة وخدمات النظام البيئي التي يمكن الاستفادة منها.
مبادرات عربية لحل المشاكل البيئية
تشكل بعض المبادرات البيئية العربية بصيص أمل لوضع حد لتلك المشكلات، إذ تضم البلاد العربية اليوم عددا من المدن النظيفة الصديقة للبيئة، منها “مصدر” في العاصمة الإماراتية أبوظبي، التي تعتبر من أكثر المدن استدامة، إضافة لكونها مركزا للطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة الصديقة للبيئة.
وفي الختام:
لا توجد منطقة في العالم في مأمن من التحديات البيئية، لكن تلك التي تواجه الوطن العربي هي تحديات ذات طبيعة شديدة بشكل خاص، فرغم أن المنطقة العربية غنية ببعض الموارد الطبيعية، لكنها تواجه عجزاً خطيراً في موارد أخرى كالماء والأرض الزراعية اللازمة لدعم متطلبات النمو، وعند الأخذ في عين الاعتبار النمو السكاني، والتدهور البيئي في الماضي والحاضر، وأثر التغير المناخي، يعمق هذا أهمية العناية بالبيئة ومواردها لتدعم حياة الاجيال الحالية والأجيال القادمة في الوطن العربي.
ر.ن