حكومة نتنياهو على سرير المرض

حكومة نتنياهو على سرير المرض
أمين الحاج
21 أكتوبر 2025
كلما اقترب موعد محاكمة نتنياهو اهتز العالم، كأن مصير الكوكب معلق بنبضه المتقلب، حرب تندلع هنا، أزمة تنفجر هناك، نتنياهو يدخل المستشفى لوعكة غامضة، تعيد ترتيب المشهد من جديد، لا أحد يعرف إن كان مريضا فعلا، ام ان المرض صار شكلا اخر من اشكال الحكم، لكن المؤكد ان الجسد تحول إلى أداة سياسية، وان المرض أصبح سلاحا لتجميد “العدالة”، وتخدير الشارع، وإطالة عمر نظام يقتات على التأجيل والخوف.

الصحف العبرية نفسها بدأت تهمس بتعبيرات قاسية، أحدها قالت إنه ربما يكون مصاب بمتلازمة “مانشهاوزن” ، وهي نسبة الى ضابط ألماني، واشتهر بإضافة تفاصيل مثيرة الى حياته، وهي اضطراب نفسي يجعل صاحبه يتظاهر بالمرض ليستدر العطف ويهرب من المواجهة، اما في حالة الرجل، فيبدو المرض استراتيجية متكررة، اكثر منها حادثة عابرة؛ فكلما اقتربت جلسة المحكمة ظهر طارئ صحي، وهكذا يتحول الجسد الى درع سياسي، والزمن الى حليف، بينما ما يسمى بالعدالة تلهث خلف سبعيني، يعرف كيف يصنع الفوضى ليبقى في المشهد.

لكن ما هو ابعد من الفرد، هو البنية التي تسمح بذلك، دولة الاحتلال نفسها، التي شيدت أسطورتها على التفوق والانضباط، تنكشف اليوم كجسد مصاب بالوهن ذاته؛ نظام سياسي يعيش على حافة التمثيل والانكار، يخشى المواجهة، ويبرر كل انحراف باسم “الخطر الوجودي”، وهنا يصبح مرض راس النظام كناية عن مرض النظام، تماما كما تصبح الحرب علاجا مؤقتا لأزمة الشرعية.

النظام القضائي في دولة الاحتلال، الذي يقدمه الغرب كنموذج للديمقراطية، ليس سوى قناع لسلطة تقوم على التمييز البنيوي، والقمع الممنهج، فمحاكم الاحتلال التي تزعم محاسبة الفاسدين، هي ذاتها التي تصدر يوميا احكاما جائرة بحق عشرات الفلسطينيين، دون تهم او محاكمات عادلة، بينما ذاتها تتباطأ أمام فساد زعيمها، فتشرعن سرقة الأرض، وهدم البيوت، وقتل الفلسطينيين تحت غطاء قانوني مصطنع، في هندسة دقيقة للظلم والاستبداد، فتخلط بين القانون والقوة، وتجعل العدالة أداة لإخفاء معالم الجريمة، لا كشفها.

في المقابل، يبدو المشهد العالمي كأنه مشارك في المسرحية؛ كل تأجيل يقابله اضطراب جديد، وكأن الرجل، في كل مرة يستدعى فيها، يستدعي أزمة تشغل الجميع، حتى باتت سمة تطبع كثيرا من الزعامات المعاصرة، حيث المرض يستعار من الجسد الى النظام، ومن الفرد الى العالم.

في الواقع لا يمكن فصل هذا المشهد عن لحظة الأُفول الكبرى لسلطة فقدت شرعيتها الأخلاقية، فنتنياهو ليس مجرد سياسي يتلاعب بالقانون، بل تجسيد لعصر فقد بوصلته الاخلاقية، حيث تتحول الحقيقة الى كذبة متقنة، ويصبح الوهم فنا من فنون الحكم، هو يدرك ان البقاء اليوم لا يقوم على القوة فحسب، بل والقدرة على إدارة الوهم وترويض الوعي.

قد لا تنتهي محاكمته قريبا، فاستمرارها يخدم كثيرين؛ القضاء الذي يتقمص دور المستقل ليخفي تبعيته، والمعارضة التي تتغذى على الغضب، والعالم الذي يجد في الفوضى مبررا لمزيد من التوازنات الزائفة، لكن ما لن يقدر احد على تأجيله هو سقوط البنية التي حولت الكذب الى مهارة، والمرض حيلة، والحرب الى خلاص دموي.

في النهاية، لا يهرب نتنياهو من المحكمة فحسب، بل من مرآته أيضا، فحين يحاكم، تحاكم دولة الاحتلال معه، وحين يتوعك، يختل النظام الذي صنعه، لكن مرضه الحقيقي هو خوفه من لحظة لا تنفع فيها الحروب ولا الأزمات لتأجيل الحقيقة، ولا يستطيع فيها القضاء التابع ان ينقذه من عدالة التاريخ، تلك التي تأتي ببطء، لكنها لا تخطئ الهدف.

 

  • صحيفة القدس
  • ي.ك