الهجمة البربرية على مخيمات الشمال على وجه الخصوص ليست الأولى التي يشنها الاحتلال، لكن الهجمة الحالية لا تأتي في سياق عمليات كي الوعي والردع فقط، بل تندرج في إطار خطة الحسم السياسي في الضفة الغربية لإحداث تغيير جذري على الخارطة الجيوسياسية كهدف رئيسي لدولة الاحتلال يتقدم بالتوازي مع العمل الدؤوب على اكثر من هدف واحد. ومنها اجتثاث وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» كأحد الشهود على نكبة الشعب الفلسطيني في العام ١٩٤٨ وتهجير الفلسطينيين.
المخيمات المستهدفة في حجمها صغيرة في مساحتها قياساً بالاستهداف السياسي الكبير في معانيه، فمخيم جنين الذي يسكنه حوالى خمسة وعشرين ألف نسمة لا تتعدى مساحته 473 دونما بينما لا تتعدى مساحة مخيم نور شمس 226 دونما بينما يسكنه ثلاثة عشر ألف نسمة وفي مخيم طولكرم يقيم عشرون ألف نسمة على بقعة تبلغ مساحتها 180 دونما، قام جيش الاحتلال بتحويلهم إلى ساحة حرب وقتال مخصصا لهم من القوة العاتية بما لا يتناسب مع بنية المخيم.
الهدف من الحرب على المخيمات لا ينحصر بالقضاء على المقاومة الذي يحملها الاحتلال المسؤولية في خطابه السياسي والإعلامي، بل الهدف الرئيسي يتركز على أكثر من هدف يبدأ من القضاء على المقاومة وضرب حاضنتها الشعبية والفصل بينهما، ولا ينتهي عند تشكيل وإحلال وعي جمعي جديد بألا فائدة تُرتجى منها كونها سَتُجابَه بالقوة المفرطة كما يهدف الاحتلال إلى إظهار عجز السلطة الفلسطينية عن حماية الشعب وإحاطة مواقفها بالشكوك والظنون، ولا تخفى على كل من يرى ما يطفو على سطح الأهداف وما خلفها من تظهير حقيقة إلغاء التصنيفات المعتمدة سابقا للمناطق «أ»، «ب»، «ج» والصلاحيات الأمنية والإدارية المناطة بكل طرف من أطراف اتفاق أوسلو، ويقف على قمة الأهداف اجتثاث المخيم وإلغاؤه وإجبار سكانه على الهجرة قسرا وتشريدهم، وإظهار التعديل على أسلوبه السابق باللجوء إلى القيام بعمليات خاصة لاغتيال مقاومين أو اعتقالهم، نحو إبادة المخيم كعنوان للنكبة استكمالاً لعملية إلغاء «الأونروا» وجملة المواقف المتخذة إزاءها.
تهجير المخيمات كهدف متدحرج تسبب في نزوح حوالى خمسين ألف مواطن ومواطنة من مخيمات طولكرم وجنين، واجهته محافظات الضفة الغربية بالاستجابة للمهام الإغاثية الناتجة عن أزمة النزوح والنازحين وضروراتها الملحة، وللتعبير عن مظاهر التضامن والتآزر معهم في وضعهم الجديد في بيوت الإيواء أو المستضافين لدى أقاربهم أو من لجؤوا إلى استئجار بيوت جديدة في الضواحي أو القرى والبلدات المجاورة.
عملية الاستجابة الجمعية تستحق التقدير والاحترام لكنها تحتاج إلى التصويب والتنظيم، باتجاه تحقيق التنسيق والتعاون بين الجهات المختلفة بالاستناد إلى قاعدة البيانات والمعلومات التي تم إعدادها من المؤسسات المختصة، فالملاحظات الأولية تشير إلى الإرباك والعشوائية بسبب تعدد الأطر العاملة على حصر الإغاثة بشكل موحد على الغالب، بينما لا توجه الاهتمام للمهام والاحتياجات الأخرى وضروراتها الملحة، فغياب التنسيق والتنظيم يحول دون تكامل الجهود وتنوعها بالاستناد إلى التخصص وربما تُغيّب احتياجات أخرى لا تقل أهمية؛ كالجهود القانونية على أهميتها، توثيقاً من آجل عمليات المساءلة.
التساؤل مشروع مثلا عن جدوى عمل المحافظين على سبيل المثال في الجهد الإغاثي بينما توجد مهام أوْلى بجهدهم ومن صلب مسؤولياتهم ينبغي التركيز عليها كالجهد السياسي المطلوب في دعوة الوفود الأجنبية، الصحافية والإعلامية، وتنظيم جولات لهم على البوابات الحديدية والحواجز التي يقيمها الاحتلال بين المدن والقرى وتقطيع الطرق ومنع التواصل، للاطلاع على تفاصيل حرب إبادة المخيم وجريمة التطهير العرقي المرتكبة عن كثب وعلى الحالة الإنسانية في بيوت الإيواء وعلى المخاطر التي تسببها مخلفات الأسلحة والألغام!
وما الحاجة أيضا لعمل الأحزاب والقوى السياسية للعمل الإغاثي بينما عليهم التركيز بكل طاقتهم وجهود أعضائهم على حشد الشارع في أشكال الاحتجاج على هجمة الاحتلال على المخيمات وإعادة الحيوية السياسية للحراك التضامني ومعانيه السياسية في الشارع المُصاب بالخدر بسبب الانقسام الذي طال أمده، في الوقت الذي تنخرط فيه الأحزاب في بنية المنظمات الشعبية واتحاداتها وفي النقابات؛ العاملين جميعا على الأبعاد الإغاثية في الميدان علاوة على روافدهم؛ ممثلة بالأطر القطاعية التابعة للأحزاب لقربها من القاعدة الشعبية.
آخر الكلام، الواقع يشير إلى أهمية التخصص في العمل الإغاثي في الميدان وفق خارطة معدة ومصممة للتوجه نحو التعامل مع احتياجات النازحين على أساس: الجنس والعمر والطبيعة الخاصة بالأفراد كالإعاقة والمرض، من أجل تقديم الخدمة أو قد يتطلب الأمر تلقي خدمة متخصصة أكثر، فالمطلوب الوصول إلى الجميع بعدالة.
- صحيفة الأيام
- ي.ك