هل كان لا بدّ من هذه المآسي كلها ليكتشف العالم أنه لا بدّ من الوصاية على دولة الاحتلال؟ وهل يريد الحلفاء المعنيون بها والحريصون عليها المزيد من سفك الدماء حتى يخلّصوا إسرائيل من قادتها وساستها الموغلين في التطرف والدموية!
قبل سنوات كتبت انه لا بد من وصاية على إسرائيل، ولا بد أن تفرض عليها الولايات المتحدة والدول الكبرى حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية-للصراع العربي الفلسطيني-الصهيوني الإسرائيلي.
اليوم بدأ العالم فعلا يؤمن أنه لا يمكن ترك إسرائيل لتدير أمورها، فلا هي قادرة على تقرير مصيرها لأنها لا تعرف ماذا تريد فعلاً، ولا تريد للشعب العربي الفلسطيني أن يمارس حق تقرير المصير.
بعد ذبح غزة، النتيجة:
أولاً: أصبح قيام دولة فلسطينية خياراً دولياً، فلم يعد ممكناً انتظار إسرائيل لتنفيذ حل الدولتين الذي تعارضه إسرائيل نهاراً جهاراً، فهي لم تكن جادة في أي مفاوضات، لذلك دعا وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوسيب بوريل الى فرض الحل دولياً.
ثانياً: الحسم العربي الإسلامي بالنسبة لإقامة الدولة الفلسطينية، كما تم الإجماع عليه في قمة الرياض، وهذا يعني بأنه لن يكون هناك أي تطبيع بدون ذلك.
ثالثاً: لم تعد إسرائيل كما كانت؛ فقد هرع الحلفاء لنجدتها، ويبدو أنها لم تعد قادرة إلا على التدمير عن بعد، وإنجاز مجازر يندى لها جبين الإنسانية.
رابعاً: تعمق وجود دولة الاحتلال كدولة مكروهة ومعزولة، فصارت عبئاً حتى على الحلفاء، دولة لا تعرف إلى أين تمضي، فكيف سيستمر الحلفاء بالسير وراء خطوات عمياء! دولة كل ما تسعى إليه الحرب هنا وفي أماكن أخرى، قد تقود لحروب إقليمية. ولا نظن أن الحلفاء قصيرو نظر للتورط بحرب من أجل سواد عيون ساسة الاحتلال المتطرفين.
آخر ما رشح عن رئيس وزراء دولة الاحتلال، الذي لم يعد يعرف إلا لغة التهديد والقتل، هو ما عزف به على تصريحات بتسلئيل سموتريتش»، التي تريد فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة فور تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، كون حكومة الاحتلال، والكلام لسموتريتش، كانت «خلال ولاية ترامب الأولى على بعد خطوة فقط من تطبيق السيادة على الضفة الغربية».
ورغم ذلك، فثمة نتيجة أخرى للحرب، وهي مفارقة تشابه رأي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع سموتريتش، في الحل، كل من منطلقه؛ فالإيراني يرى «أن حل الدولتين لن يؤدى إلى إرساء سلام مستدام في المنطقة، معتبراً أن الحل الدائم للقضية الفلسطينية يجب أن يكون على أساس دولة ديمقراطية واحدة». والصهيوني يرى بتطبيق السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، دون أن يبيّن نتيجة الضم وفرض السيادة، التي يمكن أن تعني أن يصبح فلسطينيو الضفة الغربية البالغ عددهم 3 ملايين مواطن مواطنين إسرائيليين يصوتون ويترشحون للكنيست، فإذا كان الصهاينة ضاجين بفلسطينيي عام 1948، فكيف سيكون الوضع حين يتم ضم ثلاثة أضعافهم؟ أما إذا كان المقصود أراضي الضفة الغربية غير المكتظة السكان، فإن ذلك أيضا لن يغير من الأمر كثيرا، حيث ستتكرر حالة الجليل والمثلث.
ما دامت دولة الاحتلال غير قادرة على (أو لا تريد) تغيير منطلقاتها العنصرية، فلن تكون قادرة على حسم الوجود الفلسطيني الأصلاني سلماً ولا حرباً، ولا قادرة على البقاء بدون استمرار التسلح الذي لا يليق بدولة صغيرة، أصبح مستوطنوها ينامون ويصحون، وعيونهم على السلاح.
يبدي اليهود الإسرائيليون تخوفات، في ظل تذكر رفض الفلسطينيين لحل تقسيم فلسطين، والكتاب الأبيض الإنجليزي وغيره، بأن الفلسطينيين الآن يقبلون الحلول من وجهة نظر كونهم ضعفاء، والذين سينقلبون حينما يقوون، مستذكرين ما قاله سموتريتش في مقطع مصور شاركه عبر منصة «إكس» إن «اتفاقيات تقسيم الأراضي لم تنجح ولن تنجح، ببساطة لأن الفلسطينيين يريدون البلد كله».
والمهم، مهما كانت منطلقات الشعب الفلسطيني والمستوطنين اليهود النفسية، فإن حل الدولة الواحدة، صار حلاً مقبولاً بل ضرورياً، لكن السؤال هو كيف؟ هل من وجهة نظر الفلسطينيين، التي تمثلها أدبيات حركة فتح والوطنيين الفلسطينيين، أم من وجهة نظر سموتريتش، التي تجعل الفلسطينيين بدون مواطنة كاملة؟
إن تأمل رأي وزير الخارجية الإيراني الذي يرى «أن حل الدولتين لن يؤدى إلى إرساء سلام مستدام في المنطقة، معتبرا أن الحل الدائم للقضية الفلسطينية يجب أن يكون على أساس دولة ديمقراطية واحدة»، يمكن أن يفضي إلى التفكير برحابة تستفيد من المنجز العالمي، في كثير من الدول، والتي منها الولايات المتحدة.
بعد 76 عاماً على نكبة فلسطين عام 1948، و57 عاما على هزيمة عام 1967، ما زال الأمر الواقع الفلسطيني موجوداً، بالرغم مما حدث من حروب واتفاقية سلام؛ صحيح أن الأمر ليس كما يريد الفلسطينيون تماما، كما تم اقتراح الدولة الديمقراطية الأولى في عقد الستينيات، من خلال حركة فتح، لكن أيضاً ليس كما يريده الإسرائيليون المستوطنون في تهشيم حل الدولتين، ومنح شعبنا دولة كانتونات معزولة.
لعل ما ذكره وزير الخارجية الإيراني، يؤكد ذلك حين قال: «أما سيناريو الدولتين فسيؤدي إلى استمرار التوترات بين الدولتين المحتملتين، وبالتالي استمرار الصراع»، معتبراً أن هذا «الموقف منا انطلاقاً من معطيات وله مبررات، لأنهم لا يريدون دولة فلسطينية ذات سيادة مستقلة إنما يطرحون نموذجا لـ«بلدية فلسطينية» أو دويلة صغيرة لا تتمتع بسيادة مستقلة، بل تفتقر للسيادة ولن يكون لها جيش ولا سيادة مستقلة أو دبلوماسية مستقلة، هذا ما يقصدونه من طرحهم «دولتين»، وليس دولة حقيقية، لذا علينا أن نعول على حل الدولة الواحدة الديمقراطية بدلاً عن التسليم بحل الدولتين».
أما الهدف، فهو تدمير الفكرة (أوالأيديولوجية) الصهيونية العنصرية الاقصائية، ما يمثل المدخل الصحيح للدولة الديمقراطية الواحدة.
«سموتريش» وأقصى اليمين الإسرائيلي يريد دولته الواحدة بمقاييسه هو على كل فلسطين، رغم ما ذكره بأن «الفلسطينيين الموافقين على تبني القرار (ضم الضفة الغربية وغزة) سيُمنحون ميزات المواطن الإسرائيلي». أما الفلسطينيون، ومعهم كل من هو موضوعي يفهمون الدولة الواحدة بمعنى المساواة والكرامة. والمطلوب اليوم من كل دولة أو حزب فيها، النظر بعين العدالة لإنصاف شعبنا.
هذا هو الدواء، الذي رغم طعمه غير المستساغ، إلا أنه الحل النهائي والدائم، والباقي تفاصيل يمكن حلها، مهما كانت، لأن الأرضية الجديدة، ستكون ميسرة لحلول معظم القضايا.
السؤال الذي يجب طرحه عالمياً هو عن اليوم التالي في إسرائيل، لا في غزة ولا في فلسطين، لأن الفلسطينيين ببساطة يعرفون ما يريدون، في العيش أحراراً في دولة أو دولتين أو ثلاث.
- صحيفة الأيام
- ي.ك