غزة تخلع جميع الأقنعة عن لغة المنظومة الدولية

غزة تخلع جميع الأقنعة عن لغة المنظومة الدولية
ريما كتانة نزال
17 مايو 2024

بينما فرق الإنقاذ تنتشل ما استطاعت من أشلاء، لا ينفك أهل غزة في تذكر ما تبقى من لحمهم تحت الأنقاض، مؤجل انتشالها إلى زمن آخر قد تتدخل فيه العناية الإلهية.

الوقت في غزة من دم، لا مكان آمنا فوق أرضها، لا مكان تحت سمائها يعرف الهدوء والسكينة، لا مكان فارغا وساكنا للتأمل، إنها يوميّات غزة المتكررة المرادفة لفضائح العالم المتحضر، الوقت في غزة من شهداء وإصابات ودمار ونزوح وجوع وخيام وهلع وأكفان ومقابر.

تُقفل الخيام أبوابها على حكاياتها الخفية والمعلنة، خلف الباب إذا جاز أن يكون للخيمة باب كامل المعنى، يوجد أطفال يملأ أنينهم الفضاء، ومعلوم أن الأطفال في غزة مكوِّن رئيسي من حكاية غزة ولبّها ومستقبلها وأفقها التحرري، ليُتخذ قرار بأن يُقتل أحدهم في كل عشر دقائق، باسمه الرسمي مع الاسم المخصص للدلال حسب عادات أهل غزة، لكن القدر يقرر أنْ يولد طفل جديد في كل عشر دقائق، كل هذه الطفولة لا أحد يسمع نداءها أو يهتم لأمرها أو يندفع لإنقاذها.

أيضاً، هناك في غزة سبعة عشر ألف طفل عُزلوا عن عائلاتهم كما تقول المؤسسات الدولية صاحبة الاختصاص، سيكبر هؤلاء بينما تكبر حكاياتهم أكثر منهم، حتى تشيخ وتطعن في العمر، هؤلاء يشبهون الفئة التي سبقت لا يجدون من يهبّ لنجدتهم، فالكل في غزة يتيم ومقطوع في طرق غير نافذة سوى إلى جهنم.

في غزة اليوم وكل يوم، توقف الأطفال عن ممارسة جميع ألعابهم وهواياتهم بما فيها توقفوا عن النوم بعيون مغلقة، لقد انتقلوا إلى ألعاب الكبار، توفير الماء والطعام والدواء والمراهم والرثاء والإدلاء بدلائهم في مواجهة وسائل الإعلام لتقديم الإحاطات الإخبارية وتحليلها. توقف أطفال غزة كذلك عن الحلم، ولا أحد يسألهم عن مطالبهم واحتياجاتهم المتناسبة.

ماذا تبقى من حالات الطفولة وانزياحاتها حسب القوانين الدولية ومفاهيمها، يوجد أطفال على الطرق الخاوية وتحت الدمار والرماد ينتظرون من يرفع أشلاءهم، وأطفال يحملون نظراتهم الحائرة للبحث عن مكان يبكون فيه طفولتهم المهاجرة، أو عن مكان يخيطون فيه ما انفتق من ندوبهم، لا أحد ينتبه لهم أو يسندهم ويحميهم.

أطفال يموتون من البرد دون أغطية تدثر لحمهم العاري أو أيادٍ حانية تحتضن ارتجافهم، مهددون في وجودهم وحقوقهم، لأن أولاد غزة ولدوا كمشاريع شهداء وأسرى ولاجئين ونازحين وفقراء، أطفال غزة في الحرب لا يجرؤون على الحلم أو الاقتراب منه.

الوقت في غزة من دم، والوقت في غزة كلمة تم تجاهلها في القوانين والاتفاقيات الدولية لإعطاء المجرم الوقت اللازم للإبادة، لكن غزة العاجزة والمحاصرة والمُعْدمة التي صنعت من البؤس السلاح الذي تدافع به عن كرامتها، عرّت الزيف وكشفت عن النفاق والأكاذيب التي تتلطى خلفها الديباجات الحقوقية المنمقة لحقوق الإنسان والمدنيين والأطفال والنساء وذوي الإعاقة. لقد خلعت غزة جميع الأقنعة عن لغة المنظومة الدولية المجوَّفة والعاجزة والمتآمرة التي لا ترى ولا تسمع ولا تحاسب، وجعلتنا عالقين بين أنياب الاحتلال ومخالبه وسمحت له نزْع صفة البشر عن الفلسطينيين، وعداد الدم في ازدياد.

 

  • صحيفة الأايام
  • ي.ك