كم الساعة الآن؟

كم الساعة الآن؟
عبد الغني سلامة
13 أبريل 2022

أَذكر فرحتي حين أهداني والدي (رحمه الله) ساعة كاسيو رقمية، وكانت ذات استخدامات متعددة، وتعتبر حينها الأحدث تكنولوجيا، لكني منذ أن اقتنيت أول هاتف خلوي لم أعد أحمل ساعة يدوية، وربما الأغلبية فعلت ذلك، رغم أنَّ اهتمامنا بالوقت في تزايد مستمر.

في الوقت الحاضر ننظر إلى الساعة عشرات المرات يومياً. في أزمنة سابقة كان من يريد معرفة الوقت عليه أن يمشي أميالاً للنظر في المزولة الشمسية المنتصبة في ساحة المدينة. وفي أزمنة أسبق لم يكن مهمّاً معرفة الوقت، يكفي أن يعرف المرء أن الوقت صباحاً، أو مساء، أو حتى يعرف أنه في الصيف أو في الخريف. وقد تستغرب وجود جزيرة منعزلة شرق المحيط الهادي قرب غينيا الجديدة سكانها لا يعرفون الوقت، وليس لديهم تأريخ، ولا يعرفون أسماء الأيام، فالماضي والحاضر والمستقبل عندهم شيء واحد! (الله مهدّي بالهم).

قديماً جداً، كان الوقت يُحسب بالعصور الجيولوجية، وبملايين السنين، فمثلاً استمر العصر الطباشيري نحو 80 مليون سنة، وبعد ظهور الإنسان صارت العصور أقصر، لكنها ظلت طويلة جداً، فمثلاً استمر العصر الحجري نحو مائتي ألف سنة. أما العصور المعدنية (النحاسي، والبرونزي، والحديدي) فقد دامت نحو عشرة آلاف سنة. وفي عصور ما بعد التاريخ بدأت الحقب تتقلص أكثر، وصارت تسمياتها ترتبط بعمر الحضارات والتي تمتد لمئات السنين. وكانت عصوراً مملة؛ حيث الأحداث قليلة والتغيرات بطيئة.

في العصر الحديث، جرى تقليص آخر للوحدة الزمنية، وصارت أشد تكثيفاً، والأحداث أكثر تسارعاً، وصارت تحسب بالعقود، ثم بالسنوات. اليوم في كل دقيقة تجري أحداث تفوق بسخونتها ما كان يحدث في مئات السنين قديماً!

مع نشوء الحضارات، بدأ الناس يهتمون بمعرفة الوقت، وكان السومريّون أوّل من اهتمّ بحسابه، فقد نجحوا في حسابِ السنوات من خلال الشمس، وتتابع الفصول، كما قسّم الصينيون السنة إلى فصول وأشهر استناداً إلى حركة الشمس ومواقع النجوم، أما قدماء المصريين فقد قسموا العام إلى اثني عشر شهراً، كل شهر ثلاثون يوماً، وفي الشهر الأخير يضيفون خمسة أيام سمّوها «اللواحق»، كما قسّموه إلى ثلاثة فصول مرتبطة بفيضان النيل، واستخدموا المسلات لتتبع حركة الشمس، الأمر الذي لا يصلح في الأيام غير المشمسة، أو ليلاً، لذا ابتدعوا الساعات المائية، ومنها انتشرت إلى خارج مصر. وفي الوقت نفسه طوّر الصينيون في عهد أسرة «شانغ» الساعات المائية. وفي زمن البابليين تمّ تقسيم اليوم إلى أربعٍ وعشرين ساعة، حيث ابتَكروا الساعة الشمسيّة، وكانت عبارة عن دائرةٍ عليها علامات مُحدّدة تعكس ظل عامود مثبت في وسطها، تُبيّن الساعات بين شروق الشمس وغروبها. كما عرف الإغريق الساعة الشمسية، لتنتقل فيما بعد إلى الرومان.

وفي العصر الذهبي للحضارة العربية الإسلامية استُخدمت الساعة الرملية والمائية، وابتكرت الساعة الرخامية التي كانت تَنطق الوقت بصوتٍ مَسموع، وقد أهدى هارون الرشيد إلى صديقه شارلمان، ملك الفرنجة ساعةً ضخمة طولها 4 أمتار، تتحرك بوساطة قوة مائية، وعند تمام كل ساعة يتساقط منها عدد معين من الكرات المعدنية، فوق قاعدة نحاسية، فيصدر عنها رنين يسمعه كل سكان القصر، ويُقال: إن شارلمان ظنَّ أنَّ فيها «جِن».

كما اهتم المسلمون بقياس الوقت والاتجاهات بدقة، لمعرفة مواقيت الصلاة، وبدايات الأشهر القمرية، ومواسم الحج والصيام، واتجاه القِبلة.. فكان «الأسطرلاب» الجهاز الذي يحسب كل ذلك، والذي يمكن تشبيهه بنظام GPS الحديث. مع أن النموذج الأول للأسطرلاب يعود إلى عالم الرياضيات اليوناني «بولونيوس» (220-150 ق.م)، والذي تطور لاحقاً عند العرب، بعد تطور علوم المثلثات والمخروطيات، وقد اقترن الأسطرلاب بِـ»مريم العجلية»، التي عاشت في القرن الثالث الهجري بحلب، حين كان يحكمها سيف الدولة الحمداني، وتكريماً لها تمّت تسمية حزام الكويكبات باسمها.

ويقال: إن العالم العربي إبراهيم الفزاري (ت 796م)، أول من صنع الأسطرلاب، ثم طوره عالم الرياضيات أبو سعيد السِجزي (ت 1084م)، واستمر تحديث الأسطرلاب ليواكب حركة التجارة والنقل البحري وحركة الجيوش، وهنا ظهرت إسهامات أخرى للبيروني والزركلي وابن الشاطر.

وفي القرن الحادي عشر صمم ابن خلف المرادي الأندلسي ساعة مائية تدور بالمسننات. وكذلك فعل الكوري «جانغ شيل»، ولكن في وقت متأخر، في القرن الخامس عشر.

في العصور الحديثة كان الحكام والأثرياء يستخدمون في قصورهم ساعة مصنوعة من ست شمعات، يتمّ إشعالها واحدة تلو الأخرى، وكان احتراقها يستغرق 24 ساعة.

أما الساعات الميكانيكية فقد اخترعها الصينيان «ليانغ لينغزان» و»يي شينغ». ثم وصلت إلى إنجلترا في القرن الرابع عشر، وقد عُثر على أقدم ساعة في كاتدرائية ساليسبري تعود إلى العام 1386، وقد استخدمت في الأديرة في العصور الوسطى لتنظيم أوقات الصلوات. إلى أن صمم الهولندي «كريستيان هوغنس» في القرن السابع عشر أول ساعة بندولية.

بدأ إنتاج ساعات الجيب في أواخر القرن السادس عشر، وبعد قرن أضيف إليها عقرب الدقائق، وفي العام 1770 اخترع «لويس بيريليت» أول ساعة آلية ذاتية التعبئة، وفي العام 1868، اخترع «باتك فيليب»، أول ساعة يد أرادها أن تكون إسورة نسائية للزينة. وفي العام 1904 طلب الطيار «ألبرتو سانتوس» من صديقه الفرنسي «لويس كارتييه» أن يصمّم ساعة ليستخدمها في رحلاته الجوية. وفي العام 1930، تم تسجيل براءة اختراع لأول ساعة توقيت من قبل شركة «بريتلينغ ووتش».

أما الساعات التي تعتمد على الكوارتز فقد ظهرت عام 1967 بمركز الساعات الإلكترونية في سويسرا، وبعدها بسنتين تمت صناعة أول ساعة كوارتز في اليابان من قبل سيكو.

لذا، يصعب القول: إن هناك مخترعاً وحيداً للساعة؛ إذ اجتهد الإنسان منذ أقدم العصور في اختراعها وتطويرها من شكل إلى آخر. وقد تطورت مصادر القوى التي تدفع الساعة للعمل، من الجاذبية إلى الزنبرك وطاقة الرنين إلى الكوارتز والطاقة الكهربية.

اليوم، توجد الساعات الذرية التي تستخدم السيزيوم، وتخطئ ثانية واحدة كل 100 مليون سنة. وقد كشف باحثون يابانيون عن الساعة الأدق في العالم، والتي تخطئ ثانية واحدة كل 16 مليار عام، باستخدام ذرات فائقة التبريد ضمن شعيرات من أشعة الليزر.

مع كل هذا التطور في صناعة الساعات، ما زال العرب من بين أكثر الشعوب التي لا تلتزم بدقة المواعيد، ولا تقدّر قيمة الوقت!

 

المصدر: صحيفة الأيام

ي.ك