«تخيلوا العيش في عالم لا توجد فيه هيمنة، عالم لا نتحدث فيه عن تشابه الإناث والذكور أو حتى المساواة الدائمة بينهم، بل عن رؤية تشاركية تشكل أخلاقيات التفاعل بيننا. تخيلوا العيش في عالم نستطيع فيه جميعاً أن نحافظ على ذواتنا، عالم من السلام والممكن. لا تستطيع الثورة النسوية أن تخلق هذا العالم لوحدها، إذ نحتاج إلى إنهاء التمييز العنصري والنخبوية الطبقية الإمبريالية».
بيل هوكس – من كتاب «النسوية للجميع» ترجمة هاجر بن إدريس
—–
خلال جلسة افتتاحية في المركز الفلسطيني لأبحاث السياسيات (مسارات)، لإطلاق مشروع «دعم الحوار النسوي في فلسطين»، طرحت بعض التساؤلات الجديرة بالحوار المعمّق، والوقفة البحثية: لماذا يتبنّى المركز مشروعاً يخصّ النساء، مع أنه مركز بحثي غير نسوي؟ ولم لا تتولاّه مؤسسة نسوية؟
أسئلة استدعت أخرى، ما يفتح مساحة واسعة للحوار: هل موضوع الحوار النسوي خاص بالنساء أم أنه يخص المجتمع بأسره؟
وما النسوية، والمفاهيم التي تطرحها، مثل مفهوم الجندر/النوع الاجتماعي؟ وهل يمكن أن يحمل الرجال هذه المفاهيم كما تحملها النساء؟ وهل يمكن أن ترفضها بعض النساء كما يرفضها بعض الرجال؟ ولماذا يخاف البعض من النسوية بل يفزعون منها، ولذا يتجنبون إدراج مفهوم الجندر/النوع الاجتماعي، في خطابهم/ن، أو تحليلهم/ن؟ ذلك المفهوم الذي يعزو الاختلاف بين الرجل والمرأة إلى عوامل اجتماعية وثقافية ونفسية، من صنع البشر، ويعتبر أن الاختلاف البيولوجي لا يعني أفضلية جنس على آخر، ولا يعني أن قدرات المرأة هي أقل من قدرات الرجل، وبالتالي لا يبرِّر التمييز ضدها.
أعتقد أن أساس الفهم الخاطئ هو عدم اطّلاع العديد على المفاهيم النسوية من مصادرها، ما يدفع البعض إلى الوقوف موقفاً عدائياً منها، بالإضافة إلى تقصيرنا، نحن من نحمل الفكر النسوي/ نساء ورجالاً، في طرح هذه المفاهيم للنقاش، أو إيصالها، دون تعقيد، إلى أوسع فئات اجتماعية.
*****
حين وقّعت دولة فلسطين على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، بدأ الهجوم على الاتفاقية، دون الاطّلاع على بنودها ككل متكامل، واتّسع الهجوم وامتدّ ليشمل المناضلات النسويات، والنقابات، ومؤسَّسات المجتمع المدني، التي ثمَّنَّت التوقيع، وطالبت بمواءمة التشريعات الفلسطينية مع الاتفاقية.
تشكل ائتلاف نسوي أهلي فلسطيني لتطبيق اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتكوّن من 57 مؤسسة حقوقية ونسوية ونقابات العمال وأطر نسوية، برئاسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، ليكون إطاراً تنسيقياً «يسعى إلى تنظيم العمل بين المؤسسات الأعضاء فيه، وإلى مواءمة القوانين والتشريعات الوطنية معها من خلال العمل على آليات المتابعة والمساءلة لتطبيق اتفاقية سيداو في فلسطين على جميع المستويات، الحكومي، وغير الحكومي، والقطاع الخاص».
دعا الائتلاف إلى نشر الاتفاقية – التي تكرِّس مبادئ المساواة والعدالة والكرامة الإنسانية – في الجريدة الرسمية «الوقائع الفلسطينية»، وطالب بترجمتها، وتعميمها.
استعان مهاجمو الاتفاقية بتقارير مجتزأة من سياقها، لتأليب المواطنين/ات عليها، ولم يتطرّقوا إلى البنود الأساسية التي تضمنتها الاتفاقية، تلك التي تهمّ الشعب الفلسطيني، وكل الشعوب التي تخضع لسيطرة المستعمر، والتي تربط بين أنواع التمييز كافة، وبالذات البند الذي يدعو إلى القضاء على جميع أشكال العنصرية، والتمييز العنصري، والاستعمار، والاستعمار الجديد، والعدوان، والاحتلال الأجنبي، والسيطرة الأجنبية، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولم تلتفت إلى أن الاتفاقية جعلت هذا البند شرطاً لتمتع الرجال والنساء بحقوقهم تمتعاً كاملاً.
*****
ساهمت الثقافة السائدة في نشر صورة نمطية خاطئة للنساء اللواتي يتحدثن عن حقوق المرأة أو المساواة أو العدالة، وساهمت بعض وسائل الإعلام بوعي أو دون وعي بترسيخها. رسمت صوراً لنساء غاضبات متمردات على مجتمعهن يرغبن بالتشبه بالرجال في كل شيء.
وإذا كان الشعور بالغضب نتيجة الظلم والقهر والتمييز له ما يبرّره لدى النساء والرجال، إلّا أن النسويات لا يعادين الرجال، ولا يرغبن بالتشبه بالرجال، بل يحسسن بالاعتزاز لكونهن نساء، وكل ما يميزهن كنسويات أنهن يرفضن التمييز والسيطرة والعنف والاحتلال والعدوان، ويؤمنّ بالمساواة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، ما يجعلهن يحاولن تطبيق مبادئهن في حياتهن الخاصة والحياة العامة.
*****
حين نقترب من النسوية ومفاهيمها من مصادرها، نجدها تؤكِّد بشكل رئيس على المساواة بين البشر، وعدم التمييز والاضطهاد على أساس الجنس، وتدعو إلى إنهاء هذا التمييز، كي يعيش الناس على قدم المساواة، ضمن رؤية تشاركية، غير تسلطية، حيث لا يسيطر إنسان على إنسان بسبب قدرته المادية، أو لون بشرته، أو نوع جنسه، أو عرقه، أو دينه.
عالم العدالة والمساواة والإنصاف، الذي يتيح للجنسين سهولة الوصول إلى الموارد، ويتيح تكافؤ الفرص، بما يضمن لهم/لهن المشاركة في صنع القرار على كل المستويات، هذا هو العالم الذي تدعو إليه النسوية، ولذلك كان من الطبيعي أن يتبناها رجال ونساء، ممن يؤمنون بحقوق الإنسان، ويحاربون التمييز والعنف ضد المرأة، ويتبنون رؤية تشاركية، للمساهمة معاً في صنع التغيير المجتمعي وبناء المستقبل.
المصدر: صحيفة الأيام
ي.ك