يصادف السابع من نيسان من كل عام، ما يعرف بـ«يوم الصحة العالمي»، حيث يتم الاحتفال به كل عام لمناسبة الذكرى السنوية لتأسيس منظمة الصحة العالمية، ويتم التركيز في كل عام على موضوع صحي محدد، وفي هذا العام، اختارت المنظمة الاحتفال تحت شعار «أهمية الحفاظ على صحة البيئة أو الأرض أو النظام البيئي من أجل صحة الإنسان»، سواء أكان ذلك يتعلق بمنع تلوث الهواء أو المياه أو التربة أو الطعام أو النظام البيئي بشكل شامل، بالتالي الحفاظ على صحة البشر وتوفير الرعاية الصحية لهم في ظروف صحية بيئية ملائمة.
❞
ويأتي الاحتفال بيوم الصحة العالمي هذه الأيام، والعالم يشهد تغيرات مناخية بيئية مقلقة، تتمثل في ارتفاع حرارة الأرض ومياه المحيطات بسبب ذوبان الجليد وبالتالي زيادة منسوب المياه، وقلة الأمطار، وزيادة شدة الأعاصير والفيضانات والتصحر والحرائق والتلوث، وما إلى ذلك من تداعيات بيئية بعيدة المدى على العالم والعالم العربي والمنطقة، وبالطبع نحن في فلسطين لن نكون بالبعيدين عن ذلك، أجلا أو عاجلا، وبالأخص أننا نملك مصادر طبيعية محدودة ويتم استنزافها من قبل الاحتلال الإسرائيلي بشكل متواصل.
❝
ومع ارتفاع حرارة الأرض والتقلبات الجوية وشح المياه، يفاقم الاحتلال الإسرائيلي ذلك من خلال الاستيلاء على مصادر المياه وبالأخص مصادر المياه الجوفية، والأراضي الزراعية الخصبة، وتشويه النظام الحيوي البيئي الفلسطيني من خلال إقامة المستوطنات وشق الطرق تحت ذرائع مختلفة، والتخلص من النفايات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وسكب مياه مجاري المستوطنات في أراضي المواطنين الفلسطينيين، وإقامة المصانع الكيميائية بجوار المناطق الفلسطينية، حيث شكلت وما زالت هذه التصرفات تهديدا حقيقيا للنظام البيئي الفلسطيني بكل مكوناته، ولإمكانية العيش للمواطن الفلسطيني في ظل ظروف صحية وبيئية حسب المعايير الدولية.
ودون جدال كذلك، أن هذه التغيرات تحدث بسبب تغاضي دول عديدة ومنها الدول الصناعية الكبرى عن إعطاء الأولوية للبيئة وحمايتها، وخاصة خلال عملية النمو الاقتصادي الكبير والمتواصل، حيث بدأت دول كثيرة تلمس الآثار الكارثية على البيئة، فنفايات المصانع ودخانها والمخلفات العشوائية للبنايات أدت إلى تلوث الهواء والمياه والتربة، والى الآثار البيئية والصحية الوخيمة التي أحدثها ويحدثها الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية في الزراعة من مبيدات وأسمدة وبلاستيك، وتنتشر أمراض السرطان والتشوهات الخلقية بشكل متزايد.
ويأتي اختيار الشعار ملائما وفي الوقت المناسب، حيث تنعكس التغيرات البيئية هذه الأيام، على شكل ظواهر متطرفة أو على الأقل ظواهر غير اعتيادية في حدتها وتوقيتها وصعوبة التعامل معها، ومن أهم هذه الظواهر ما بات يعرف بظاهرة تأثيرات «التغير المناخي»، أو «البيت الزجاجي» وانعكاساتها من خلال ارتفاع درة الحرارة، وقلة الأمطار والتصحر، والتي ترتبط بشكل مباشر بالتلوث وبالأخص تلوث الهواء في الجو بما تبثه نشاطات الإنسان إلى طبقات الجو، مسببا تراكما لمواد كيميائية لم نشهدها من قبل، منها ثاني أكاسيد الكربون والنيتروجين والميثان والمركبات الكلوروعضوية المتعددة.
وفي فلسطين، فإن الحفاظ على البيئة الفلسطينية في الضفة وفي غزة من المفترض أن يكون أولوية وطنية في خطط التنمية الفلسطينية البشرية والاقتصادية، لأن من سمات البيئة الفلسطينية أن المصادر الطبيعية، من مياه وارض وحيز وإنتاج غذائي هي مصادر محدودة، وان المساحة الجغرافية ضيقة وتضيق باستمرار، وان كثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة وربما من أعلى النسب في العالم وخاصة في قطاع غزة حيث المساحة حوالي 365 كيلومترا مربعا وتحوي أكثر من 2 مليون شخص، وان ازدياد البشر وبالتالي نشاطات البشر وما ينتج عن ذلك من نفايات صلبة وسائلة وخطيرة في تصاعد مستمر، وما لذلك من تداعيات بيئية صحية قصيرة وبعيدة المدى.
وفي إطار شعار الحفاظ على صحة البيئة هذا العام، فنحن في بلادنا ما زلنا نرى النفايات في الشوارع، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف وفي أحيان بشكل غير امن أو سليم، وما زالت مياه المجاري وليست فقط المياه العادمة المكررة، تصب في بحر غزة، وأصبحت مياه القطاع الجوفية مالحة وربما ملوثة، وما زالت التقارير تشير إلى أن اكثر من 95% من المياه في غزة ملوثة، وبالإضافة إلى ذلك ما زالت المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل أو بآخر في تلويث وتشويه البيئة الفلسطينية، حيث ما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياه العادمة تصب في قرى محافظات سلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله.
وفي ظل الاحتفال بيوم الصحة العالمي، وفي ظل غياب ما يعرف بـ«العدالة البيئية أو المناخية»، في العالم، أي تأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأدقع فقرا أو الأكثر ضعفا، بما تحدثه الفئات الأكثر قوه أو الأغنى أو المحصنة أكثر، فدون شك أن تأثيرات التداعيات البيئية والمناخية ستكون أكثر على هذه الفئات من الدول والمجتمعات والمناطق، وفي داخل المجتمع الواحد، سوف تتأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأقل قدرة إلى الوصول إلى المصادر والفرص وتحقيق الإمكانيات وملاءمة الظروف حسب المتغيرات، وهذه الفئات سوف تعاني وتخسر اكثر، وبمعنى آخر سوف يكون التأثير من منطلق النوع الاجتماعي، أكثر حدة على النساء بشكل فردي أو جماعي، ومن ضمنها المرأة الفلسطينية.
والتغيرات البيئية وبالتالي تداعي صحة البيئة، يؤثر على المرأة بشكل شديد من خلال ندرة المياه النظيفة الصالحة للاستعمال البشري، حيث تؤكد تقارير دولية أن مياه قطاع غزة على سبيل المثال ملوثة بنسبة تصل إلى حوالي 95%، سواء من ناحية التلوث البيولوجي أو الكيميائي من معادن ومواد عضوية وغير عضوية، وأن مياه مناطق الأغوار تزداد فيها نسبة الملوحة باطراد، بسبب الاستهلاك المتزايد للمستوطنات، وبأن مناطق في جنوب الضفة وحتى في الوسط لا تصل فيها المياه إلى المنازل ألا يوما أو عدة أيام في الأسبوع، ولكل ذلك آثار وخيمة على المرأة التي تدير المنزل وتربي الأولاد وتحافظ على صحة البيت وسلامة الطعام.
وتكون المرأة الأكثر هشاشة من التغيرات البيئية على شكل التلوث البيئي، بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أشار أحد التقارير الدولية إلى أن تلوث الهواء فقط، يؤدي إلى وفاة حوالي أربعة آلاف شخص يوميا في بلد مثل الصين، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات إلى الجو، الذي أحدثته النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية، والفئات الأكثر وفاة من هذا التلوث هم النساء والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة.
وفي إطار شعار يوم الصحة العالمي، فإن القطاع الصحي في فلسطين من المفترض أن يحتل مستوى الأولويات الوطنية، أو فيما يتعلق على مستوى الميزانية الحكومية، من المفترض أن يتبوا أعلى سلم أو مراتب تلك الأولويات، سواء من حيث رصد الميزانيات، أو من حيث أعداد وتدريب والاحتفاظ بالكفاءات المتخصصة أو من حيث الحصول على افضل الأجهزة والمعدات.
أو من حيث فعالية الإدارة والمسؤولين، أو حتى من حيث الكيفية أو الطريقة التي يتم اتباعها للحصول على الخدمات، وعلى المعلومات المتعلقة بصحة المواطن، أو من حيث الاهتمام بالرعاية الصحية بشكل عام، سواء أكانت الرعاية الأولية وهي الأساس، أو الثنائية أو الثلاثية، أو من حيث التركيز على مفهوم الصحة العامة كمفهوم وقائي بالأساس، شامل للبلد وللمجتمع، ويشمل الطعام الصحي والحفاظ على بيئة صحية، وتوفير الأدوية والتطعيمات والنشرات وما يتبع من أمور صحية.
❞
وفي ظل الواقع البيئي الفلسطيني، وفي النظر إلى الأولويات البيئية الفلسطينية، فإننا نحتاج إلى تطبيق حازم للقوانين الفلسطينية المتعلقة بحماية البيئة، سواء أكان قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، أو قانون الصحة العامة المتعلق بالبيئة، أو قانون حماية المستهلك الفلسطيني، بشكل يعطي الغرض من إصدار مثل قوانين كهذه، وبأن تتم محاسبة وبشكل رادع من يلوث البيئة بالنفايات الصلبة، أو بالمياه العادمة، أو من يلوث الهواء بالغازات والمواد الكيميائية، أو يلوث المياه الجوفية بالأسمدة، أو يلوث المنتجات الزراعية بالمبيدات، وما إلى ذلك، وبحيث تطبق القوانين بأيدي الشرطة أو سلطة البيئة أو البلديات والهيئات المحلية.
❝
المصدر: صحيفة الأيام
ي.ك