ما زالت الهبّة الجماهيرية سائرة بثقة نحو الانتفاضة العامة، وما زالت في كل يوم تزداد تألقاً وعمقاً جماهيرياً وامتداداً جغرافياً في كل أرض الوطن الفلسطيني، وتزداد دعماً وإسناداً جماهيرياً في كل مناطق تجمعات وتواجد أهل فلسطين على امتداد العالم، ويزداد الالتفاف حولها والدعم لها من جماهير الأمة العربية في أقطارها.
إنها تسير وتتطور وتشتد عوداً وعمقاً وعنفواناً وتنوعاً في نشاطها في كل يوم. صحيح، إن العنوان الرئيس للهبّة الجماهيرية هو الدفاع عن المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، لكن فعلها يتسع ليصل إلى الدفاع عن المقدسات المسيحية أيضاً، وعن مدينة القدس حاضنة كل المقدسات والعاصمة الأبدية لفلسطين. إنها الهبّة الجماهيرية تسير وتتطور بثبات وثقة، باتجاه وعلى طريق الانتفاضة الشاملة.
لا يوقف سيرها سيل التضحيات والدماء والعذابات التي تقدمها في كل يوم وفي كل موقع، بل يزيد وقودها وتزيد نارها اشتعالاً وتأثيراً، وتزيد جموع الملتحقين بها اتساعاً. وهي تبقى حاملة البشرى والأمل ومحددة الاتجاه.
لجهة دولة الاحتلال وحكومتها، فإنها لا تملك طريقة للتعامل مع الهبّة الجماهيرية سوى العنف بكل أشكاله وأنواعه وبأقصى مستوياته. يفرض عليها ذلك طبيعتها العنصرية الاحتلالية التوسعية أولاً وأساساً. ويزيد عليه وضعها القلق والضعيف كحكومة ائتلافية وخوفها من السقوط في أول خروج لأي من مكونات ائتلافها حتى ولو كان بعضو كنيست واحد. وهو ما يفقدها الأغلبية البرلمانية ويفرض عليها الدعوة إلى انتخابات عامة حظوظها بالنجاح فيها والقدرة على تشكيل ائتلاف يعيدها إلى الحكم معدومة.
وهذا ما يزيد من عدوانيتها وعنفها ودمويتها في التصدي للهبّة الجماهيرية الفلسطينية المجيدة، وهذا ما يشل يدها تماماً عن تقديم أي تنازل أو تراجع مهما كان محدوداً، صغيراً أو ثانوياً أمام الهبّة الجماهيرية الفلسطينية. يأتي ذلك من باب القناعة المترسخة لديها أولاً وأساساً، ويتعزز ويتقوى بالمزايدة على القوى الصهيونية المنافسة لها والأكثر تطرفاً وعدوانية. بل وهذا يجعلها تتبنى الأساليب الأكثر عنصرية احتلالية، والعدوانية الأكثر وحشية ودموية.
أما لجهة الجانب الفلسطيني، فإن الصورة العامة مفرحة، مقنعة، ومبشرة. أساس هذه الصورة الالتفاف الواسع جداً للجماهير الفلسطينية حول الهبّة الجماهيرية وأهدافها والإقبال والانخراط الواسع والمتزايد في أنشطتها ونضالاتها بكافة أشكالها، والاستعداد المبهر لتقديم كل ما يلزم من تضحيات لانتصارها. خصوصاً أن هذا الالتفاف يتطور إلى الاندفاع بحماس نحو المشاركة المباشرة في كل الأشكال النضالية حسب الموقع والإمكانية. والاستعداد لتقديم كل التضحيات التي تفرضها المواجهة مع العدو المحتل وقواته وأجهزته.
❞
لقد فرضت الهبّة الجماهيرية المباركة حضورها على الواقع العربي شعوباً وقوى وتنظيمات شعبية، ودولاً أيضاً. تمثل ذلك بإعلان الدعم والتأييد والمساندة وبعض التحركات الجماهيرية في أكثر من بلد وعاصمة. لكن هذا الدور ما زال قابلاً للتطوير والتصعيد بأكثر من شكل وعلى أكثر من مستوى، وهو ما يتأثر بدرجة واسعة بالموقف الفلسطيني ووحدة قواه ووحدة وفاعلية مواقفها ونشاطاتها. ونفس الشيء يمكن أن يقال عن الوضع الدولي وإن بدرجة أضعف قليلاً من الوضع العربي، ودون أن نغفل حال العالم المنشغل بالحرب الدائرة في قلب أوروبا بين روسيا وبين أوكرانيا المدعومة والمسنودة من دول الغرب وحلف الناتو.
❝
التنظيمات والقوى السياسية النضالية والشعبية على تنوعها تقع في صلب هذه الصورة، وربما في المركز والقلب منها: في الانخراط والمشاركة، وبالمبادرة أيضاً، كل حسب حجمه وإمكاناته وقدراته وعلاقاته ومواقعه.
لكن هذه الصورة لا تمنع التساؤل المحزن حول عدم قدرة هذه التنظيمات على العمل المشترك فيما بينها، وعدم نجاحها في الخروج من حال الانقسام البغيض إلى حال وحدة العمل والبرنامج والمؤسسات وإلى المشاركة الموحدة في كل أشكال ومستويات الهبّة الجماهيرية، وإلى المعالجة الموحدة لكل ما تطرحه من قضايا وما تتطلبه من مواقف وسياسات ومن توفير للدعم والإمكانات.
❞
حتى الآن، وفي مناخ الهبّة الجماهيرية الصاعدة نحو الانتفاضة، لم يحصل أي اجتماع وطني عام يشمل كل التنظيمات ليوحد الموقف الوطني وبرنامجه وهيئاته ومؤسساته. ولو على الأقل ليوحد الرؤية حول الهبّة الشعبية ومآلات تطورها، وتوفير ضرورات ومستلزمات دعمها وتطوير أدائها للوصول بها إلى حال الانتفاضة. وأيضاً لتوفير الدعم العربي والدولي بهيئاته ومؤسساته لها ولنصرتها ولدعم أهدافها ومطالبها. إن اللقاء المتكرر للقوى الوطنية في غزة وما ينتج عنه من مواقف موحدة شيء إيجابي، لكنه لا يغني عن ضرورة الاجتماع العام لكل القوى والتنظيمات ولا يقوم مقامه.
❝
حتى الآن، لم تصدر أي دعوة من أي طرف لمثل هذا الاجتماع الجامع للكل الوطني. حتى الحديث العام الذي دار منذ أيام عن الدعوة لاجتماع القيادة الوطنية في رام الله وما بشر به من تحريك للمياه الراكدة، وما حمله من تصريحات حول وضع مخرجات المجلس المركزي الأخير على جدول أعماله، وبما فهم منها اتخاذ قرارات بإجراءات سلبية تتعلق بشكل ومستوى العلاقة مع دولة الاحتلال، هذه الدعوة تم الإعلان عن إلغائها دون تقديم أي أسباب أو مبررات للإلغاء، ودونما تحديد أي موعد بديل.
وكأننا أمام حالة استعصاء فيما يتعلق بوحدة التنظيمات الوطنية ووحدة قيادتها وبرنامجها ومؤسساتها.
المصدر: صحيفة الأيام
ي.ك