سلاح التضليل الإعلامي

سلاح التضليل الإعلامي
عماد الدين حسين
16 مارس 2022

في الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، فإن الطرفين ارتكبا عمليات تضليل إعلامي منظمة وممنهجة، لكن الفارق فقط هو أن هناك طرفاً فعل ذلك بنعومة وحرفية إلى حد ما، وطرفاً فعلها بصورة سافرة.

في هذه السطور لا أناقش مَن المخطئ ومَن المصيب في هذا الصراع، ولكن أتحدث عن مدى التزام وسائل إعلام الطرفين بالمعايير المهنية التقليدية، ومَن الذي مارس التضليل المتعمد والعشوائي؟!

في اليوم الأول للغزو الروسي لأوكرانيا، روّجت مواقع إلكترونية وغربية كثيرة فيديو يتضمن قيام دبابة – قيل: إنها روسية – بدهس سيارة مدنية أوكرانية بصورة غير منطقية.

وتم ترويج الفيديو بصورة واسعة لإظهار مدى وحشية الجيش الروسي، لكن بعد ساعات قليلة كان المندوب الروسي في الأمم المتحدة يحرج المندوب البريطاني، ويقول له: «كفاكم تزويراً. كل ما تتحدثون بشأنه عن هذه المدرعة غير صحيح. هذه الدبابة غير موجودة في الجيش الروسي، وهي من عتاد أوكرانيا. إلى متى تستخدمون هذه الفبركات؟!!».

العديد من روّاد ونشطاء السوشيال ميديا تداولوا العديد من مقاطع الفيديو باعتبارها تمثل وقائع حدثت بالفعل، ثم تبين أنها مشاهد من لعبة فيديو تدعى «وور ثاندر»، ثم لقطات أخرى لمضادات دفاع جوي أوكرانية قيل: إنها تتصدى للمقاتلات الروسية، لكن تبين أنها لتدريب جوي أوكراني في أيار ٢٠٢٠.

هناك أيضاً فيديو ادعى ناشروه أنه إسقاط لطائرة روسية بصاروخ جوي أوكراني، وتبين أن الطائرة ليبية وسقطت في بنغازي عام ٢٠١١.
انتشر فيديو آخر قيل: إنه لقصف روسي، وتبين أنه تصميم رقمي منشور قبل أشهر، وفيديو آخر تم تداوله على أنه إنزال جوي روسي في أوكرانيا، وتبين أنه قديم منذ العام ٢٠١٦.

وادعت وسائل الإعلام الأوكرانية والغربية أكثر من مرة أن روسيا قصفت محطات نووية أوكرانية، وثبت لاحقاً أن ذلك لم يكن صحيحاً. وقامت هذه الوسائل بأكبر عملية غسيل دماغ لشعوبها وشعوب العالم لشيطنة الروس، بل وكل ما هو روسي حتى لو كان في حجم تولستوي أو ديستوفسكي.

من يقرأ السطور السابقة قد يتبادر إلى ذهنه أنني منحاز إلى الرواية الروسية باعتبارها الصادقة الأمينة في نقل الأخبار وعدم التضليل، والحقيقة غير ذلك تماماً.

وسائل الإعلام الروسية تفعل كما يفعل الغرب، لكنها أكثر غشومية أحياناً في هذا الأمر، مقارنة بالاحترافية والمهارة التي يتم بها التضليل الغربي.

ثم إن روسيا لم تدّعِ أنها تؤمن بحرية التعبير قبل وأثناء وبعد الغزو. والدليل على ذلك أنها بعد ساعات من دخول قواتها أوكرانيا أصدرت قانوناً يعاقب بالسجن ١٥ عاماً لمن ينشر أي معلومات أو ما تقول: إنه أكاذيب تخالف ما تقوله بيانات القوات المسلحة. وهو ما يعني حجب أي معلومات مستقلة، ثم إنها عطّلت كل وسائل التواصل الاجتماعي.

وبالتالي، فإن الجديد الآن هو استسهال وسائل الإعلام الغربية للفبركة والكذب والتضليل، رغم أنها تعظ الجميع طوال الوقت عن الحريات والمهنية والمصداقية والدقة والموضوعية وضمان وجود الرأي والرأي الآخر.

من بين التضليل أيضاً ادعاء وسائل الإعلام الروسية أن عملياتها نظيفة تماماً، ولم يسقط خلالها ضحايا مدنيون، وأجبرت وسائل الإعلام المحلية على عدم استخدام تعبير غزو أو حرب أو اعتداء، بل مجرد عملية عسكرية في أوكرانيا، مع وصف عناصر الجيش الأوكراني بالنازيين والقوميين.

وإذا كان مفهوماً قيام روسيا بمطاردة وسائل الإعلام الغربية، فما الذي دفع المعسكر الغربي إلى حجب وسائل الإعلام الروسية، بحجة أنها تعبر عن وجهة نظر الحكومة الروسية؟!

في حين أنه تم السماح ببث فيديوهات مزيفة حول حالات ذعر أصابت المدنيين الأوكرانيين عند إطلاق صفارات الإنذار، أو صور مفبركة لأسرى روس.

مرة أخرى، الطرفان أو المعسكران المتحاربان ارتكبا تضليلاً كبيراً، وتوسعاً فيه باعتباره أحد الأسلحة الأساسية في أي حرب، والضحية هو الحقيقة، وعقول ملايين المواطنين التي يتم غسلها صباح مساء، سواء للمواطنين الروس أو الغربيين.

الفارق فقط في الدرجة وليس النوعية!!

المصدر: صحيفة الأيام

ي.ك