إنسانية فلسطينية معذبة

إنسانية فلسطينية معذبة
الأسير زياد زهران "أبو أمل"
10 مارس 2022

تستعيد أم أشرف ذكريات قريتها قبل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم عام النكبة. تلك القرية التي بناها الأجداد، وزرعوها بأشجار الزيتون واللوز والصنوبر. تتذكر تلك الأيام الصعبة التي أجبروا فيها على الخروج من حدائقهم وبيوتهم التي دمرها حقد الغازي، وشرّد أهلها الآمنين. لم تنس أم أشرف حتى اليوم الحكايات عن الثوار المقاومين الذين استشهدوا، أو جرحوا، أو اعتقلوا، وهم يقاتلون بما توفر من أدوات. كانت تسمع عن الخذلان الذي عاشوه، بسبب قلة الدعم والمعونة، بخلاف ما كان يقدم للمستعمِر، وكانت تسمع أيضاً عن الضمير العالمي الغادر والمنحاز.

عاشت أم أشرف على أمل العودة إلى فناء البيت الكبير بعد وعود بطرد المحتل الغاصب، لكن قتل الحلم بأن اتسع العدوان، واحتلت كل فلسطين في عام النكسة، وما زالت كذلك، برغم قرارات دولية أصدرها مجلس أمن الدول الحرة. ما أقسى تلك الأيام، لكن لم يستسلم شعب فلسطين، فعاد لتنظيم صفوفه لمقاومة لم تتوقف حتى النصر، وتحقيق الحرية الاستقلال، كباقي شعوب البشرية.
تمضي السنوات.

يولد ويكبر أشرف. تعلمه أمه حب الأرض. تخبره عن ماضي الأجداد، وتاريخ قضيته، وضرورة أن يتعلم، فبعلمه يسهم أكثر في تعزيز نضاله بوعي وإرادة. نتذكر أشرف كناشط في صفوف الطلبة، وأيضاً بمشاركته في ضرب المحتل بحجارة الثورة، جعلت كل العالم يشهد ميلاد هوية، ومفهوم حصري لشعب فلسطين، هو “الانتفاضة”.

تدرك تلك الأم خطورة وضع الابن الأكبر، فيكون السفر لإكمال التعليم سبيلاً أفضل، للحيلولة دون بطش المحتل، وأيضاً للتحصيل العلمي المتعذر في رام الله، بسبب الإغلاق المتعمد لمدارسها. يحل القدر بعد السفر بأشهر، فيعود الابن الغالي أشرف شهيداً في طلب العلم. شهيداً لحب قضيته. يرحمه الله.

كانت لحظات أليمة. أبكت كل معارفه. لقد كان أشرف مثالاً للأخلاق. شجاعاً لا يأبه للأخطار. تخفي أمه صدمتها بفقدان الأغلى، وتصر لإكمال طريقه، دون تذمر. تقوم بواجبها حيال الكل، دون النظر لجزاء، أو إطراء. تزور أهالي الشهداء، وتقدم ما أمكن لعوائل أسرى، وتحتضن الأطفال. تشارك في كل مناسبة تشعر بأهميتها في تعزيز صمود، ورفع معنوية محتاج. تؤمن بالمسؤولية، وأنّ لكل فلسطيني دور حيال قضيتنا، وتقول:

“هنا باقون ولن ترحل”

لن يستطيع الاحتلال هزيمتنا. نحن الحق، وهو الباطل. لن نستسلم، وإن تغافل ضمير العالم عن عذابات الشعب طوال عقود.
الدول الحرة، ما زالت تتمسك بدور المتفرج على إبادة شعب فلسطين. تعجز عن إنفاذ قرارات اتخذتها منذ عقود، ووصفتها في حينه بالحد الأدنى لتقرير مصير شعب فلسطين. منذ عقود، وحتى اللحظة، بيوت تهدم. أشجار تقلع. أطفال تحرق، وأكثر من مليون أسير، ومئات الآلاف من الجرحى والشهداء.

عدالة وضمير الدول الحرة منشغلة بما هو أحدث، وتمتلك ميزاناً دفته مثقوبة. توازن به بين الظالم والمظلوم، وفي كل الأحوال، تناصر كيان قهر. كيان تمييز، وفصل عنصري، ومعازل. تتداعى كل الحريات المزعومة عند حدود مصالحها، وتجند ألسناً مختلفة، ومنها العربية، كأبواق توهم سامعها أن عالمنا الحرب، عالمنا الديمقراطي، يناصر الحق، ويجابه الظلم، ويرفض الاعتداء، ويحافظ على الأمن والسلم الدوليين.

 

المصدر: صحيفة القدس

ي.ك